في بكاسين، كان الليل يشبه لحظة صلاة معلّقة في الهواء. الهدوء الذي يسبق الوصول إلى كنيسة مارت تقلا بدا وكأنه دعوة خفيّة للدخول إلى عالم آخر، عالم يكتبه الضوء لا الكلمات. وكلّما اقتربت الخطوات من الساحة، أخذ المشهد يتّضح شيئًا فشيئًا… إلى أن يظهر ذاك البريق الذي لا يشبه أي زينة أخرى: مكان واحد فقط، ساحة الكنيسة، يحمل العيد كلّه بين أضوائه. وكأنّ البلدة اختارت هذا العام أن تختصر الفرح في نقطة واحدة، وتضع قلبها كلّه هناك. لم تكن الزينة معلّقة على شوارع متفرّقة، ولا موزّعة على زواريب البلدة… كانت كلّها هنا، في تلك الساحة التي تحوّلت إلى صفحة مضيئة من كتاب الميلاد.

هذا العام، صنعت بكاسين عيدها من ساحة واحدة، لكنها جعلتها ساحة تستحق أن تُروى. ساحة كنيسة مارت تقلا لم تكن مجرّد مكان للزينة، بل مشهدًا كاملًا يشبه القصص التي تلمس القلب قبل العين. كلّ الأضواء وكلّ التفاصيل تجمّعت هنا: شجرة مضاءة بنعومة، وزوايا منسّقة بإتقان تمنح الساحة دفئًا لا يُقاوَم. وعلى وقع الأغاني الميلاديّة التي ملأت المكان، عاشت البلدة حالة عيد حقيقية، حيث بدا الناس والضوء والموسيقى، رغم هطول المطر الغزير، وكأنهم يتشاركون لحظة واحدة.

الكنيسة نفسها بدت كأنها ترتدي ثوبًا من نور. واجهتها المضيئة أبرزت جمال حجارتها القديمة، فظهر المبنى بوقاره التاريخي وكأنه يستعيد شبابه. الضوء المنساب على الجدران أضفى على المكان روحًا جديدة، روحًا تجمع بين رهبة القداسة واحتفال الناس. مشهد الكنيسة في هذه الإضاءة كان كافيًا ليجعل الساحة كلّها تبدو كأنها لقطة من فيلم ميلادي عالمي.

العائلات توافدت من مختلف المناطق، الأطفال ركضوا تحت الأضواء، الشباب التقطوا الصور أمام الكنيسة، والكبار تأمّلوا المشهد بصمت جميل. الزينة لم تكن صاخبة ولا مبالغ فيها… كانت بسيطة، أنيقة، ومرسومة بذوق لافت يعكس محبة أهالي البلدة وحرصهم على أن يكون العيد حدثًا ينتظره الجميع.

بكاسين هذا العام لم تكتفِ بأن تزيّن ساحة كنيسة مار تقلا… بل جعلتها قلب العيد. قلب يلمع، ينير، ويجمع حوله الناس بلا دعوة. مكان واحد… لكنه حمل روح البلدة كلّها. وهكذا، بين الأضواء والأغاني ولمعان الحجارة العتيقة، كتبت بكاسين صفحة جديدة من حكاية الميلاد، صفحة فيها الكثير من السحر، الكثير من الفرح، والقليل جدًا من الزمن… لأن لحظة كهذه لا يشيبها الوقت.

 

وفيديو بعدسة المبدع رامي رزق:

صور: