
خاص- عندما تعلن الحكومة فشلها!
حذّر كثيرون، في الخارج والداخل، منذ أن أظهرت الحكومة تردّدها في حسم ملفّ نزع السلاح خوفاً من حرب أهلية، من أنّ التبعات المترتّبة على عدم تطبيق حصريّة السلاح قد تكون أكثر كلفة وخطراً على لبنان من الحرب الأهلية ذاتها. ولكن العجز أو الخوف أو التذاكي أو الحسابات السياسية، هي التي جعلت رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة يتردّدان كثيراً في الإقدام على خطوة نزع السلاح بالقوّة. وتُرك الأمر للتراضي الذي لن يحصل مطلقاً، وللوقت الذي لن ينتهي، أو ربّما لتطوّرات تجعل التنفيذ في أيدي أطراف خارجية، تعفي المسؤولين في الداخل من هذه تحمّل هذه المسؤولية بأنفسهم.
ولكن، إلقاء كامل المسؤولية في التقرير والتنفيذ على الخارج، له أثمان كبيرة على لبنان واللبنانيين. فما لم تنفّذه الدولة بالحُسنى، ستقوم الدول الكبرى بتنفيذه، وفق وجهة نظرها. وثمّة من يقول إنّ لبنان أثبت أنّه غير قادر على حكم نفسه بنفسه وإدارة شؤونه. فهو ينتقل من انتداب إلى احتلال، ووصاية، فنفوذ خارجي، سواء كان إيرانياً أو سورياً أو حتّى أميركياً.
في الواقع، أعلنت الحكومة فشلها في عملية نزع السلاح، عندما قالت على لسان رئيس وزرائها نوّاف سالم، إنّ موضوع جنوب الليطاني سينتهي آخر العام، أمّا السلاح شمال النهر فسيخضع لعمليّة “احتواء”. ولم يفهم أحد ماذا يعني هذا التعبير المبهم، سوى ترك السلاح في مكانه، وإعلان انتهاء المهمّة عند هذا الحدّ.
فإذا كانت هذه هي النتيجة التي يتوقّعها لبنان ويكتفي بها، فإنّ ذلك صنّفته الولايات المتّحدة بالفشل الذريع. فجاء إلغاء زيارة قائد الجيش العماد رودولف هيكل لواشنطن، إضافة إلى ما أعلنه مسؤول رسمي أميركي لقناة “العربية” من أنّ “حزب الله يعيد التسلّح، والجيش لا يقوم بعمل كافٍ”.
فماذا يعني كلّ ذلك؟
إنّه يعني أنّ كلّ المهل التي أعطتها واشنطن للبنان قد انتهت، وبدأ العمل الأحادي الجانب. ربّما لا تزال هناك فرصة أخيرة غير معلنة، إذا ما عرف “حزب الله” كيفية الاستفادة منها. ولكن التوجّهات التي تصله من إيران، تدعوه إلى التشدّد وعدم تقديم تنازلات حاليّاً، لأن طهران تريد توظيف ورقة “الحزب” حتّى النفَس الأخير في خدمة مصالحها ومفاوضاتها المفترضة مع الولايات المتّحدة حول الملفّ النووي.
صحيح أنّ هناك حديثاً عن توجّه لدى رئيس مجلس النواب ورئيس حركة “أمل” نبيه برّي لأخذ الشيعة في اتّجاه آخر، يهدف إلى حمايتهم من حرب جديدة، لكنّ نتيجة هذا التحرّك الذي يقوم به برّي، قد لا تصل إلى مكان، بسبب سطوة نفوذ “الحزب” وإيران على أيّ توجّه شيعي نحو مرجعيّة دينية أخرى غير الوليّ الفقيه.
إذاً، القرار اتُّخذ أميركياً وإسرائيلياً بالتصرّف. فتجدّد الحرب على لبنان ليس سوى مسألة وقت، وقد بدأت ملامحها مع اغتيال رئيس الأركان في “الحزب” هيثم علي الطبطبائي في قلب الضاحية.
وعندما تبدأ واشنطن بالتصرّف بدورها، فهذا يعني ضوءاً أخضر لنتنياهو كي ينفّذ عمليته العسكرية. وهو يعني أيضاً استمرار التضييق الاقتصادي والمالي على لبنان. وهذا ظهر بوضوح في الزيارة الأخيرة التي قام بها وفد وزارة الخزانة الأميركية لبيروت، حيث أعطي لبنان مهلة ستين يوماً، تنتهي في آخر السنة.
وعندما تفشل هذه الحكومة في تنفيذ كلّ ما تعهّدت به، بعد كلّ الدعم الذي حظيت به مع العهد أميركياً في البداية، فإنّ التفويض المعطى لها قد لا يتمّ تجديده. وإذا ما نفّذت إسرائيل أجندتها، بدعم أميركي، فسيكون المشهد السياسي في لبنان مختلفاً. وكلّ الاحتمالات واردة في هذا المجال، ومنها وضع اتّفاق الطائف على الطاولة لتشريحه من جديد وإعادة النظر فيه.
