متري في دمشق بملفات ساخنة: سوريا الحازمة ولبنان المرتبك

متري في دمشق بملفات ساخنة: سوريا الحازمة ولبنان المرتبك

الكاتب: فرح منصور | المصدر: المدن
22 تشرين الثاني 2025

سلكت العلاقة اللبنانيّة – السوريّة الجديدة مسارًا إيجابيًا، عنوانه الأساسيّ حلّ كل الملفات الأمنية والقضائية العالقة بين الجانبين، من أجل تحسين العلاقات بين بيروت ودمشق، ومتابعة التنسيق المؤسساتيّ الرسميّ بما يضمن أمن البلدين. 

وإذا كانت الزيارة الرسمية لنائب رئيس الحكومة، طارق متري، تهدف بشكل أساسيّ إلى البحث المعمق في سبل تحسين وتطوير العلاقات الثنائية بين البلدين، إلا أنها حملت في طياتها رغبة لبنانية واضحة بايجاد حلولٍ لجميع الملفات الشائكة، من أجل طي الصفحات الماضية. وهذا ما ظهر في اللقاءات الرسمية بين متري ورئيس الجمهورية العربية السورية، أحمد الشرع، إضافة إلى اجتماعه مع عددٍ من كبار المسؤولين السوريين، ومن ضمنهم وزير الخارجية أسعد الشيباني، وزير العدل مظهر الويس، حيث تمت مناقشة أبرز الملفات العالقة، وفي طليعتها ملف الموقوفين السوريين في السجون اللبنانيّة.

الرغبة بتحسين العلاقات

مساعي لبنان لطي الحقبة السوداء السابقة، ومعالجة كل الملفات بين البلدين، قوبلت برغبة واضحة لدى سوريا أيضًا، التي أبدت رغبتها بتطوير وتحسين العلاقات مع بيروت، وأن يستفيد لبنان من الانطلاقة الضخمة لسوريا الجديدة. لذلك شددت على ضرورة تجاوز كل العقبات وحل الملفات العالقة، ولاسيما ملف الموقوفين السوريين وملف ترسيم الحدود بين البلدين، وبشكل سريع، إضافة إلى استكمال عمل اللجان التقنية والقضائية لانهاء هذه الملفات، والانطلاق نحو البحث في مشاريع التكامل. 

وتشير مصادر “المدن” إلى أن سوريا تصرّ على ضرورة إطلاق سراح الموقوفين الذين تم توقيفهم بسبب انتمائهم وتأييدهم للثورة السورية وفصائلها. هذا الملف الذي بدأ الجانبان مناقشته منذ أسابيع، والذي جرى التوافق سابقًا مع الوفد القضائي السوري الذي ترأسه وزير العدل السوري مظهر الويس في زيارته الأخيرة لبيروت، على توقيع اتفاقية قضائية تقضي بحلّ هذا الملف. لكن تبين لاحقًا أن هذه الاتفاقية لن تلبي المطالب السورية فهي بحاجة للكثير من الوقت. وهذا ما يرفضه الجانب السوريّ الذي يعطي أهمية كبرى لهذا الملف تحديدًا.  

حل ملف الموقوفين السوريين

وفي هذا الإطار، جرى الاتفاق على أن يجري وفد قضائي لبناني زيارة إلى سوريا في بداية شهر كانون الأول المقبل، للبحث في ملفات الموقوفين، الذين قسمهم الوفد القضائي اللبنانيّ إلى لوائح متعددة، وجرى تقسيم السجناء المتهمين بالارهاب إلى ثلاثة فئات، الأولى تشمل الذين ألقي القبض عليهم في لبنان بسبب انتماءهم للجيش الحرّ، ولكن لم يرتكبوا أي جرم على الأراضي اللبنانيّة، الثانية تشمل الذين لم يرتكبوا أي جرم في لبنان لكن جرى توقيفهم بسبب انضمامهم للمجموعات المسلحة التي نزعت عنها الصفة الارهابية لاحقًا، والثالثة تشمل أولئك الذين شاركوا في القتال ضد الجيش اللبنانيّ. وحسب معلومات “المدن” هناك 27 موقوفاً جرى اعتقالهم من دون أي أحكام وهم “ملاحقون” بالمعنى القضائي، وجرى النقاش للعمل على إطلاق سراحهم فوراً، وهو ما يفترض أن يجري من خلال تقدّم محامين أمام القضاء اللبنانيّ بطلبات إخلاء سبيلهم. كذلك جرى النقاش حول 120 موقوفاً من الذين قضوا سنوات طويلة في السجون اللبنانيّة بسبب انتمائهم للثورة السورية وفصائلها. وهؤلاء يجب إيجاد مخارج قضائية لهم. وهو ما سيتم مناقشته في الزيارة المقبلة. 

ولم تنحصر مطالب سوريا على حلّ ملف الموقوفين السوريين من الناحية القانونيّة فقط. إذ ترغب باتفاق سياسيّ كبير يوفر الغطاء لتسوية قضائية تسهيلًا لإطلاق سراح الموقوفين، لأنها تعتبر بأن هذا الملف أصبح ضاغطاً جداً ويجب العمل على حلّه بسرعة، على اعتبار أنه لا يجب الاستمرار في عقد اللقاءات مع الجانب اللبنانيّ للنقاش في ملف الموقوفين فقط، فهناك ملفات كثيرة يجب الانتقال للبحث بها ومعالجتها.

في هذا السياق، علمت “المدن” بوجود محاولات في لبنان لتخفيض السنة السجنية من تسعة أشهر إلى ستة أشهر. وهذا الأمر سيسهل ويسرّع في إطلاق سراح الكثير من الموقوفين المحكومين. وتفيد المعلومات بأن الموفدة الفرنسية آن كلير لوجاندر طرحت على السوريين واللبنانيين صيغة معتمدة في القانون الفرنسي وهي ترحيل مساجين متهمين بجرائم إلى بلدانهم. وعرضت إمكانية مساعدة فرنسية في معالجة هذا الأمر.

في هذه اللقاءات الرسميّة، أكد السوريون أنهم لن يطالبوا بإطلاق سراح المساجين السوريين الذي ارتكبوا جرائم جنائية في لبنان، كالخطف والسرقة أو الاغتصاب. فهؤلاء يخضعون لآلية قضائية مختلفة، والتي يمكنها أن تمر عبر الاتفاقيات والمعاهدات بين البلدين، لكن الأهم بالنسبة إليهم هم الموقوفون بسبب انتماءاتهم السياسية، أي أصحاب الرأي الذين ناصروا الثورة السوريّة خلال نظام بشار الأسد المخلوع.

مبادرة فرنسية رسمية

لوجاندر عرضت أيضاً مساعدة فرنسية لكل من سوريا ولبنان للعمل على ترسيم الحدود بينهما، وتقديم الخرائط المطلوبة والتي تعود لأيام الانتداب الفرنسيّ. ورحب البلدان بذلك، ولكن من دون الحاجة لأن يلعب أي بلد دور الوسيط، لأن لبنان وسوريا لا يحتاجان إلى وساطة نظرًا لأهمية العلاقة بينهما. وأنه يجب العمل على ترسيم الحدود، وعدم ترك هذا الملف يشكل عائقاً في تطوير العلاقات السياسية والاقتصادية والاستثمارية. وفي حال كانت الأمور عالقة عند أي مشكلة كالنزاع الحدوديّ على مزارع شبعا التي لديها ارتباطات سياسية إقليمية ودولية، فيمكن تأجيل البت بها في هذه المرحلة ولكن مع ضرورة إنجاز الأمور الأخرى وعدم تأخيرها.

وفي اطار زيارة متري إلى سوريا، كشفت معلومات “المدن” عن زيارة وفد تقني أمني وعسكري للبحث في ملفات الحدود والملفات الأمنية الأخرى، مع التشديد على أهمية ضبط الحدود ومنع تهريب الأسلحة والمخدرات والأموال. بينما بحث متري في مسألة تسهيل إجراءات الدخول والخروج بين سوريا ولبنان، بالإضافة إلى الدخول بمشاريع تطوير المعابر الحدودية وتوسيعها.

فلول النظام المخلوع

ومع توسع النقاش بين متري وكبار المسؤولين السوريين، فإن “فلول” نظام الأسد المخلوع لم يغيبوا عن الاجتماعات الرسمية. إذ بحسب معلومات “المدن”، فإن دمشق شددت على ضرورة عدم السماح لهم بأي تحركات في بيروت من شأنها أن تسهم بزعزعة الأمن والاستقرار في سوريا. وكشفت مصادر قضائية لـ”المدن” أن الأجهزة الأمنية فتحت تحقيقًا موسعًا حول عدة أسماء من كبار رموز النظام السوري المخلوع، وذلك بعد وصول استنابة فرنسية إلى لبنان، تطلب التحقيق بوجود عدة شخصيات في بيروت ومن ضمنهم: “قائد المخابرات الجوية اللواء جميل الحسن، اللواء علي مملوك رئيس مكتب الأمن القومي السوريّ، عبدالسلام محمود رئيس فرع التحقيق في إدارة المخابرات الجوية السوريّة”، وأظهرت التحقيقات التي أجراها جهاز شعبة المعلومات عدم وجود هذه الشخصيات في لبنان، مشيرةً إلى أن كبار رموز النظار السوريّ السابق مرّوا من لبنان ليلة سقوط النظام، وغادروا إلى بلدان أخرى، ولكن هناك عدة شخصيات موجودة في لبنان وهم ضباط من الدرجة الثانية، موضحةً أنه لم يتم إلقاء القبض عليهم بسبب عدم تسلّم لبنان أي طلبٍ بذلك من سوريا أو من أي بلدٍ آخر، كما أنهم ليسوا ملاحقين بأي جرم في لبنان، الأمر الذي يمنع توقيفهم في الأراضي اللبنانيّة.