السلاح الميليشيوي “يواجه” المطالبة بالـ1701… مقترحات سيجورنيه المعدّلة تنتظر ردّ إسرائيل
سواء بشكل متعمد خبيث مخطط له او بطريقة عشوائية تعكس انحلال النظام والسلطة وكل بقايا المهابة لدى الدولة والشرعية، جاء انفلات السلاح الميليشيوي امس في عراضات قبيحة استعادت مشاهد الاستفزازت والتهويل لترسم واقعا شديد القتامة، بل الخطورة يتفشى باطراد في المناطق اللبنانية وينذر بتداعيات بالغة السوء. بدا مشهد العراضات الميليشيوية بالسلاح الخفيف والمتوسط وقاذفات ” آر بي جي” البارحة بين طرابلس وببنين مرورا بكل مناطق عكار الساحلية مروعا الناس وموقعا بينهم جرحى، كأنه الرد الضمني والمباشر سواء بسواء والرد المواجه لصعود المطالبات بإعادة الاحتكام فقط الى الشرعيتين اللبنانية والدولية في جنوب لبنان وإنقاذ لبنان من محرقة حربية من خلال تنفيذ حرفي لمجمل القرار 1701 كاملا، وهو المطلب الذي رفع لواءه اللقاء المعارض في معراب السبت وأثار غيظ قوى الممانعة و8 اذار، فيما كان المسؤولون اللبنانيون يرددون على مسامع وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه المطلب إياه بتنفيذ القرار الاممي كاملا بحذافيره. ولعل ما كشف الالتباس الخبيث والمشبوه في افتعال مشهد ميليشيوي يوظف مأتما لقياديين قضيا في مواجهة إسرائيل في مآرب سياسية داخلية معروفة المصدر والمحرك، ان أحدا لم يفهم كيف يستقيم وصف التشييع المسلح العفوي على امتداد المسافة من طرابلس الى ببنين فيما بدا انكشاف “المنظمين” الخفيين وراء كثافة المسلحين وعراضات السلاح طوال النهار؟ وكيف تتبرأ “الجماعة الإسلامية” إياها من المشهد و”تأسف ” لحصوله فيما المسلحون يشكلون ميليشيا “قوات الفجر” التي جرى إحياؤها وإعادتها الى ساحة الجنوب بقرار واضح او موافقة واضحة من “حزب الله” ؟ والأنكى ان اطلاق المناشدات لوقف العراضات المسلحة واطلاق النار العشوائي الكاسح الذي تسبب بعدد من الإصابات في مناطق عكار صدر بعضها عن الأمانة العامة للجماعة كما عن عائلة القياديين، فمن تراه كان الأقوى من الجميع في تحدي الجميع وايصال الرسائل التي أراد ايصالها داخليا في اتجاه المعارضة ومعراب تحديدا وخارجيا في اتجاه الفرنسيين والأميركيين لفرملة او ردع الاتجاهات المراهنة على تنفيذ القرار 1701 ووقف انزلاق لبنان نحو الأسوأ ؟
تحت وطأة هذه العراضات شيعت بلدة ببنين العكارية المسؤولين في “الجماعة الإسلامية” محمد سعيد خلف وبلال محمد خلف، اللذين قضيا بغارة إسرائيلية الجمعة، على طريق ميدون- البقاع الغربي. واسقبلت طرابلس موكب التشييع في ساحة النور، قبل أن يكمل طريقه الى مسقط رأسهما ببنين وشهدت مناطق المنية العبدة والمحمرة وصولاً حتى بلدة ببنين العكارية إطلاق نار كثيفا ومن أسلحة متوسطة وثقيلة بالتزامن مع مرور الموكب. وادى الرصاص الطائش إلى سقوط جريحين في بلدة ببنين وسط مناشدات الأهالي بعدم إطلاق النار ثم أُصيب لاحقا في البلدة طفلٌ برأسه .
سيجورنيه
في غضون ذلك لم تتضح تماما نتائج زيارة وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه لبيروت لجهة مصير الخطة الفرنسية المعدلة لتهدئة الجبهة الجنوبية للبنان مع إسرائيل، اذ رهن سيجورنيه نفسه اتضاح هذا المسار بتلقيه رد إسرائيل على الخطة في الأيام المقبلة. وفي مؤتمره الصحافي في قصر الصنوبر في ختام زيارته لبنان اعتبر سيجورنيه إن “الازمة طالت كثيرا ونتفادى أن تعصف في لبنان حرب إقليمية، وندعو الاطراف كافة إلى ضبط النفس، ونحن نرفض السيناريو الأسوأ في لبنان وهو الحرب”. وأشار إلى أن “لا مصلحة لأحد أن يتوسع الصراع بين حزب الله واسرائيل ويجب أن يُطبق القرار 1701 كاملاً”.وأضاف:” إن قوات اليونيفيل تلعب دورا حاسما لتفادي السيناريو الأسوأ وعلى كل الاطراف ان تسمح لليونيفيل بالقيام بمهامها كاملة”. وأكد أن “فرنسا ستستمر بدعم الجيش اللبناني إلى جانب شركائنا، والعودة للاستقرار تتطلب إعادة انتشاره في الجنوب”.وشدد على ان “لبنان بحاجة إلى إصلاحات وسنواصل العمل على إخراج لبنان من أزمته”. واعلن إننا قدمنا اقتراحات لجميع الشركاء وسننتظر الرد الإسرائيلي وأخذنا باقتراحات وتعديلات الجانب اللبناني” ، وأعلن سيجورنيه أنه “بدون رئيس منتخب ورئيس حكومة فاعلة لبنان لن يدعى إلى طاولة المفاوضات”. وقال إننا نساهم من اجل انتخاب رئيس وهذا ما نطلبه ولكن القرار يجب ان يكون لبنانيا وليس على فرنسا ان تملي المرشح .
وسبق ذلك خلال زيارته لمقر القوة الفرنسية في “اليونيفيل” في الناقورة ان أعلن سيجورنيه إنه سيتقدم بمقترحات للمسؤولين اللبنانيين بهدف تهدئة التوتر بين “حزب الله ” وإسرائيل ومنع نشوب حرب. وأضاف “إذا نظرت للوضع اليوم إذا لم تكن هناك حرب في غزة، يمكننا أن نتحدث عن وجود حرب في جنوب لبنان بالنظر إلى عدد الضربات والتأثير على المنطقة. سأوصل رسائل وأطرح مقترحات على السلطات هنا لدفع هذه المنطقة للاستقرار وتجنب نشوب حرب”.
وفي جولته على المسؤولين سمع سيجورنيه من رئيس مجلس النواب نبيه بري “تمسك لبنان بتطبيق القرار 1701 بكل مندرجاته” كما عرض بري لوقائع الاعتداءات الاسرائيلية على القرى الحدودية الجنوبية من خلال خارطة أعدها المجلس الوطني للبحوث العلمية تبين حجم الخسائر البشرية والمادية التي لحقت بالقرى والبلدات، فضلاً عن الأراضي والمساحات الزراعية والحرجية، وإستخدام إسرائيل للأسلحة المحرمة دولياً وتجاوزها لقواعد الاشتباك .
وعلمت “النهار” ان سيجورنيه لم يسلم بري اي اقتراحات عن الورقة الفرنسية في موضوع التوصل الى وقف للنار في الجنوب بين اسرائيل و”حزب الله”. وابلغ سيجورنيه بري بانها “ستكون عندك في الساعات المقبلة”. وتمنى على رئيس المجلس ان يرد على مضمونها في وقت سريع. ورد عليه بري “عندما يصبح طرح مبادرتكم في حوزتي تتلقون الرد خلال ثلاثة ايام”.
وردا على سؤال قال بري لـ “النهار” ان باريس تعمل بجدية لوقف الحرب من غزة الى جنوب لبنان. وهذا ما شددنا على تحقيقه.” واستفاض رئيس المجلس في عرض للمعلومات التي قدمها لسيجورنيه عن حجم اضرار الاعتداءات الاسرائيلية في الجنوب. وقال له الثاني: “وصلني اكثر منها من اليونيفيل”. وتناول الرجلان ايضا استحقاق انتخابات الرئاسة وكيفية التعاطي الدولي مع ملف النازحين السوريين في لبنان .
اما رئيس الحكومة نجيب ميقاتي فقال خلال لقائه مع سيجورنيه ” ان المبادرة الفرنسية تشكل اطارا عمليا لتطبيق القرار الدولي الرقم 1701 الذي يتمسك لبنان بتطبيقه كاملا، مع المطالبة بالتزام اسرائيل بتنفيذه ووقف عدوانها المدمّر على جنوب لبنان، بالاضافة الى دعم الجيش لتمكينه من القيام بمهامه وتحقيق السلام الدائم على الحدود” .
والتقى سيجورنيه أيضا وزير الخارجية عبد الله بو حبيب وقائد الجيش العماد جوزف عون وجرى تأكيد “أهمية دعم الجيش نظرًا لدوره في حماية أمن لبنان واستقراره، ومتابعة الأوضاع في الجنوب بالتعاون والتنسيق مع قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان – اليونيفيل وفق القرار 1701” .
“الرافعة المعارضة”
في أي حال لم تغب أصداء لقاء معراب السبت الماضي عن المشهد السياسي امس والذي بدت توصياته بمثابة رافعة داخلية لكسر أحادية التصرف والتفاوض والموقف من مجريات الوضع القائم في الجنوب على أساس اظهر إرادة لبنانية واسعة متمسكة بإعادة نصاب الشرعيتين اللبنانية والدولية الى الجنوب . وتتلخص توصيات اللقاء التضامني في معراب “بإطلاق صرخة بوجه العابثين بأمننا ومن يحمي المجرمين” والدعوة إلى “مواجهة سطوة السلاح واستعادة الدولة المخطوفة”. وشدّد على أنّ “السلاح خارج مؤسسات الدولة هو تهديد للسيادة اللبنانية واعتداء صارخ على أمن الشعب اللبناني ويستلزم الشروع بسحبه فوراً”. ودعا البيان، الحكومة إلى “تطبيق القرار 1701 وإصدار الأوامر فوراً لنشر الجيش اللبناني تحت خطّ الليطاني جنوباً وعلى الحدود كاملةً وإلى تعزيز الرقابة على كامل الحدود مع سوريا وإلى تنفيذ اتفاقية عودة اللاجئين الى بلادهم”.