
سلاح “الحزب”: من “حرب العصابات” إلى الجيوش المتكاملة
في الرسالة المفتوحة إلى “المستضعفين في لبنان والعالم”، والتي أُعلنت في 16 شباط 1985 في حسينية الشياح، والمذيلة بتوقيع “أمة حزب الله”، قال السيد إبراهيم أمين السيد ” … أما قدرتنا العسكرية فلا يتخيلن أحد حجمها، إذ ليس لدينا جهاز عسكري منفصل عن بقية أطراف جسمنا، بل إن كل واحد منا هو جندي مقاتل حين يدعو داعي الجهاد، وكل واحد منا يتولى مهمته في المعركة وفقاً لتكليفه الشرعي في إطار العمل بولاية الفقيه القائد، والله هو من ورائنا يؤيدنا برعايته ويلقي الرعب في اعدائنا وينصرنا عليهم بنصره العزيز المؤزر… “.
وفي 18 تشرين الأول 2021 بعد أربعة أيام على أحداث الطيونة، أعلن الأمين العام السابق لـ “حزب الله” السيد حسن نصر الله أن “الهيكل العسكري لـ “حزب الله” يضم 100 ألف مقاتل”.
بين هذه وتلك، مسيرة إطار وهيكل عسكري نما وتطور وكبر على مدى نصف قرن، وتحول من مجموعات بدائية في التسليح والمنهج العسكري إلى جيش متمرس يملك الإمكانات والعديد وله قواته وأجهزته المتخصصة.
التطور التاريخي
لا شك أن مطلع عام 1980 كان مفصلياً في إطلاق العمل العسكري الإيراني في لبنان، فبحسب كتاب “تاريخ شيعة لبنان من الماضي الغامض إلى المستقبل المجهول” في جزئه الثاني الصادر ضمن “الموسوعة الشيعية” عن أمم للتوثيق والأبحاث عام 2023، بدأت طلائع ما عرف بالمجاهدين الإيرانيين للجهاد في الجنوب الوصول إلى لبنان بطريقة غير شرعية وسط رفض الدولة اللبنانية ودعم فلسطيني سوري، وفي 5 كانون الثاني أكد رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات أنه “لم يصل أي من المتطوعين الإيرانيين إلى جنوب لبنان”، فكانت وجهتهم البقاع حيث أقاموا مراكز تدريب دينية وعسكرية للمتطوعين المؤمنين بفكر الخميني ومشروع تصدير الثورة الإسلامية، وبدأ وجودهم يطغى ويظهر مع سيطرة مجموعة كبيرة من المسلحين بقيادة السيد عباس الموسوي على ثكنة الشيخ عبدالله في بعلبك وإطلاق اسم “ثكنة حزب الله – الإمام الخميني” عليها في 3 أيلول 1983. وخلال الحرب الأهلية اللبنانية كان الهيكل العسكري لـ “حزب الله” ينمو ويكبر ويتمرس بفعل المعارك التي خاضها مع الجيش الإسرائيلي وحلفائه من جهة، ومع التنظيمات والميليشيات اللبنانية الأخرى من جهة أخرى، ولا سيما معارك “حزب الله” وحركة “أمل” في البقاع الغربي والجنوب والضاحية الجنوبية حيث بسط مقاتلو “حزب الله” سيطرتهم على الضاحية باستثناء منطقة الشياح وعلى البقاع الغربي، فيما كانت معارك الجنوب بين مد وجزر وحافظت فيها أمل على وجودها وقرارها.
شهد عام 1990 إنهاء القتال مع تطبيق اتفاق دمشق بين الطرفين برعاية سورية، ومع دخول لبنان مرحة اتفاق الطائف تبدل شعار “حزب الله” من “الثورة الإسلامية” إلى “المقاومة الإسلامية”، وخاض “حزب الله – المقاومة الإسلامية” حرب عصابات ضد الجيش الإسرائيلي وحلفائه وأنشأ في 3 تشرين الثاني 1998 ما عرف بـ “السرايا اللبنانية” التي تضم متطوعين من غير الطائفة الشيعية لقتال إسرائيل، وتكللت تلك الفترة بالانسحاب الإسرائيلي في 25 أيار 2000، وخلال تلك الفترة تظهّرت الوحدات المساندة لحرب العصابات من “إعلام حربي”، ووحدة إشارة ووحدة صاروخية وغيرها من الوحدات التي تدعم حرب العصابات.
شهدت حرب تموز 2006 تطوراً في الإساليب والتنظيم عند “حزب الله”، فظهرت القدرات البحرية، وقوة الدفاع الجوي في المعارك التي انتهت بإقرار القرار 1701 دون تطبيقه.
مع مرّ السنين، كانت القدرات الصاروخية لـ “حزب الله” تكبر وتتطور، ومعها كان الهيكل العسكري والوحدات المتخصصة تنمو، وبدأت تتمظهر بشكل علني مع بداية الثورة السورية وانخراط “حزب الله” بعدته وعديده فيها، وبعد مرور خمس سنوات على بدايتها أجرى “حزب الله” عرضاً عسكرياً في إحدى مناطق ريف القصير السورية بمناسبة “يوم الشهيد” شارك فيه مئات من مقاتلي “الحزب”، بالإضافة إلى فوج المدرعات الذي استعرض عشرات الدبابات والآليات والمدافع.
الهيكلية الحالية
ظهّرت معركة “إسناد غزة” أو “سهام الشمال” الإسرائيلية أو “أولي البأس” العديد من تسميات وحدات “حزب الله” والتي كان يعلن عنها بعد اغتيال عناصر منها أو ضباطها أو قادتها، وبحسب ما هو متوفر في المصادر المفتوحة، يتولى “المجلس الجهادي” في “حزب الله” الإشراف على جميع الوحدات الأمنية والعسكرية وكافة نشاطاتها من حيث التخطيط، الرقابة، التجنيد، التدريب، التجهيز، واتخاذ القرارات العسكرية والأمنية، يتألّف من: رئيس المجلس التنفيذي، المسؤول العسكري، المسؤول الأمني وممثل عن الولي الفقيه، يقوم هذا المجلس بالتواصل والتنسيق مع مختلف هيئات الحزب التنظيمية والسياسية، حيثما يكون هناك حاجة لذلك. يقيّم المجلس كافة الظروف التي يواجهها “حزب الله” في كل الساحات، ويقرر إثر الدراسات والمعطيات المعمقة، استراتيجياته وتكتيكات أعماله العسكرية، كما يُحدد الخطوط العريضة للوحدات العسكرية، بتوجيه وإشراف مباشر من الأمين العام ومجلس الشورى في الحزب.
وتنقسم الوحدات العسكرية إلى 5 وحدات عسكرية جغرافية (مشاة)، وحدتي “نصر وبدر” في الجنوب ووحدة “عزيز” في القطاع الشرقي والبقاع الغربي، ووحدة “حيدر” في البقاع الشمالي ووحدة “عمار” في منطقة الضاحية الجنوبية وبيروت.
وهناك الوحدات العسكرية المتخصصة على الصعيد الوظيفي وهي: الوحدة الصاروخية، وحدة ضد الدروع، وحدة المدفعية، وحدة سلاح الجو (الطائرات بدون طيار الاستطلاعية والقتالية)، وحدة الدفاع الجوي، وحدة المدرعات والدبابات، الوحدة البحرية.
وهناك وحدات الدعم: وحدة التدريب، وحدة العمليات، وحدة التخطيط والدراسات، الوحدة المالية، وحدة التجهيز والدعم، وحدة الهندسة، وحدة الاتصالات، وحدة الإسعاف الحربي، وحدة الإعلام الحربي.
وهناك الوحدات التسليحية التطويرية وهي الوحدة 4400 والتي يلم عناصرها بتكنولوجيا إنتاج وتجميع وقيادة الطائرات المسيرة، والوحدة 1600 أو “وحدة الهادي” المسؤولة عن تطوير الأسلحة وتعديل حشوات الصواريخ والقذائف.
بالإضافة إلى الوحدات العسكرية الخاصة المتمثلة بـ “قوات الرضوان”.
لا شك أن هيكلية “حزب الله” العسكرية باتت توازي الجيوش التقليدية وأن الرقم الذي أعلن عنه أمينه السابق يتناسب مع حجم تلك الوحدات ووظائفها، ولكن هذا الهيكل العسكري نما وكبر وتطور تحت أعين السلطة اللبنانية وبرعايتها، وتمدد من مشاركتها قرار السلم والحرب إلى التفرد به، وبالتالي لا يمكن أن تبرئ نفسها، فهي إما متخاذلة أو متواطئة، ولا يبرر لها صفة العجز أو عدم القدرة مسؤوليتها في النشوء وما وصلت إليه الأمور، ويبقى السؤال الأهم هل ما يتم الحديث عنه من حوار سري هو لإيجاد طريقة لتسلم السلاح أم لإيجاد تسوية ما يمكن أن تسمح من خلال كسب الوقت وتمييع المواضيع، وكما يحصل دائماً، إبقاء الحال على ما هي عليه؟