كيف سيوزع ترامب «المغانم» على وكلائه في المنطقة؟

كيف سيوزع ترامب «المغانم» على وكلائه في المنطقة؟

الكاتب: جورج شاهين | المصدر: الجمهورية
15 ايار 2025

قبل الحديث عمّا جمعه ترامب من مئات المليارات من الدولارات ألم يفكر أحد بمردودها على أصحابها بدلاً من تكديسها في المصارف بفوائد منعدمة القيمة؟ وعلى هذه الخلفيات تعددت السيناريوهات بعدما تقدّمت الرياض على لائحة وكلاء واشنطن في المنطقة

فرضت الساعات القليلة التي أمضاها الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الرياض قراءة جديدة لواقع الأمور وموازين القوى الجديدة في الخليج العربي والشرق الأوسط، وطريقة توزيع المغانم على قواها الإقليمية. ذلك انّ الخريطة التي تضمّ المنطقتين باتت مجسّماً واحداً على مكتبه البيضاوي، وما عليه سوى ترتيب أولوياته الجديدة. كما بات واضحاً أنّها تستند إلى حجم المليارات التي استقطبها إلى خزائنه، ليترجم شعاره “أميركا أولاً”. وعليه، ومهما تعدّدت السيناريوهات، يمكن الإشارة إلى أبرزها.

قبل أن يُنهي ترامب جولته على ثلاث من دول مجلس التعاون الخليجي، تزاحمت السيناريوهات التي تحاكي مستقبل المنطقة، وما يمكن أن تعكسه من متغيّرات لها انعكاساتها على مجمل الأوضاع الدولية من أبوابها الاستراتيجية العسكرية والسياسية والاقتصادية، ولا سيما منها التي تتصل بالتوازنات الجديدة المحتملة على مستوى القوى الإقليمية وطريقة تقاسم النفوذ على ساحاتها، وخصوصاً تلك التي تخضع لإعادة نظر في قواها وقدراتها، بعدما أنهكتها الحروب الأخيرة المتناسلة، والتي فعلت فعلها بمزيد من الأراضي المحتلة وتلك المدمّرة، بطريقة تجاوزت حدود ما يُعرف باتفاقية “سايكس بيكو” والحدود الدولية التي رسمت خرائطها قبل قرن وسنوات عدة، ولم يُعرف بعد إن كانت ستخضع لتعديلات أم انّها ستستعيد شكلها كاملة.

على هذه الخلفيات، تلاحقت القراءات بحثاً عن حجم الزلازل التي تركتها زيارة ترامب للرياض والدوحة وابو ظبي، وما سبقها ورافقها من أحداث جسيمة لم تكن متوقعة في شكلها ومضمونها، ولم يكن أحد يتصور أنّها ستقود إلى المتغيّرات التي أنتجتها وأوحت بضرورة التنبّه إلى ما يمكن أن تكون لها من ترددات عميقة ستترك أثرها طويلاً على مستقبل دول المنطقة وأنظمتها، كما على مستوى العلاقات في ما بينها، قبل تبيان ما تحصده القوى الإقليمية من أشكال النفوذ التي تحتفظ بها أو تجنيها في المديين القريب والبعيد.

لا تقف الأمور عند حجم الأرقام بمئات مليارات الدولارات التي حفلت بها مداخلات وخطابات الرئيس الأميركي دونالد ترامب وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ومعهما أركان القيادتين ومجموعة البيانات التي سبقت جلسات أعمال منتدى الاستثمار السعودي – الأميركي ورافقتها، بمقدار ما حملته من مفاجآت سياسية اقتربت من أن تكون مجموعة انقلابات على مفاهيم سيطرت على حياة المنطقة ودولها لعقود، فتغيّرت استراتيجيات وتوجّهات كبرى، وبدا أنّ المنطقة باتت على عتبة خليج وشرق أوسط جديدين بكل ما للكلمة من معنى، في انتظار معالمها الجديدة وما يمكن أن تؤدي إليه من متغيّرات لا تحتاج إلى سنوات عدة لتحقيقها إن بقيت على وتيرتها المتسارعة، بحيث ستتغيّر أمور كثيرة بين شهر وآخر او أسبوع وآخر وربما في ايام قليلة، بعدما تساقطت كل المهل التي سبق لها أن تحكّمت بالمتغيّرات السريعة في المنطقة في الفترة الأخيرة، والتي احتاجت إلى سنوات وربما لعقود عدة.

وإن توفقت المراجع الديبلوماسية والسياسية التي تراقب تطورات المنطقة والمكلفة بقراءة المتغيّرات ورصدها، فإنّها أمام سيل المواقف التي تبدّلت بين ساعة واخرى، لا يمكنها أن تتجاهل حجم الإنجازات التي تحققت بين وقائع الاستقبال في قصر اليمامة وقاعات منتدى الاستثمار الأميركي- السعودي، وما بينهما القاعة التي شهدت على توقيع الإتفاقيات الأميركية – السعودية الثنائية المشتركة، تقدّمت مئات المليارات من الدولارات على بقية المواقف السياسية على أهميتها، فرفعت من جو الذهول تجاه ما تحقق، مهما تعددت النظريات في شأنها من جوانب متعددة مالية ونقدية واقتصادية وسياسية وعسكرية.

وفي الوقت الذي تحدث البعض ممن يرغبون بتصوير الرئيس الأميركي كرجل أعمال يرغب بغرف ما يمكن أن يجنيه من أسواق السعودية ودول الخليج من دولارات طُبعت في بلاده قبل أن يستعيدها إليها، مع ما يمكن أن تعكسه من أسواق عمل جديدة تواجه نسبة البطالة الي يمكن ان تنتهي إلى الصفر في سنوات قليلة وحركة اقتصادية ناشطة، وصولاً إلى اعتباره “غول مال” بالنظر إلى ما جناه في زيارته التاريخية من حجم الاستثمارات التي تستقطبها القطاعات الصناعية الأميركية العملاقة، لم يتنبّه كثر إلى ما حققه المستثمر السعودي في الوقت عينه من مكاسب يطمح إليها أي مستثمر مهما كانت هويته. فالأموال المكدّسة بالمليارات في المصارف العالمية والمحلية الكبرى، لا تعود على أصحابها بفوائد تتعدى الـ 1 او 1،5 % لم تعد وجهة سليمة. وهي ستعود بالإسلوب الجديد المعتمد عليهم بنسب أكبر بكثير مهما كانت الفروقات بين أرباح قطاع وآخر. فكيف وإنها قد أُودعت في قطاعات صناعية تحاكي الذكاء الاصطناعي والصناعات الدوائية والعسكرية والتكنولوجية العملاقة المرشحة لأن تجني أرباحاً خيالية يطمح إليها أي مستثمر قرّر أن يتناسى عمداً كيف كان أجداده يهبونها إلى دول ومؤسسات مختلفة بلا دفتر أو جدول حساب أو أي مردود من أي نوع محتمل.

هذا على المستوى الاقتصادي والمالي والحسابات المصرفية والعقود الاستثمارية، أما على المستوى السياسي، فتتقلّص الخيارات المتوقعة حسب التقارير الديبلوماسية المتداولة. فالشهادات التي وزّعها ترامب على قيادات دول المنطقة توحي بخريطة جديدة لمواقع القوى، وما يمكن أن ينال كل منهم عند توزيع التركة الروسية ـ الإيرانية المنهارة في المنطقة ومواقع نفوذها في بحارها والصحارى. وهي عملية لا تبدو بعيدة المنال، وإنّ نهايتها رهن بعض التفاهمات الجاري توليفها في مجموعة القمم المقبلة التي ستلي قمم الرياض. وهو أمر يستدعي انتظار حصيلة قمم أنقرة أو اسطنبول على وقع استئناف مفاوضات مسقط، حيث من المقرر أن تكتمل دورة البحث عن نهايات سلمية لأزمات طال أمدها، وتبدأ البحث عن “اليوم التالي” في أوكرانيا كما في غزة ولبنان واليمن والعراق، الذي بدأ يعيش فصول تنقية سلاح قوى الأمر الواقع غير الشرعية، وفصله نهائياً عن سلاح الدولة الشرعي الموجود بيد الجيش و”الحشد الشعبي” العراقي، وربما وصلت الامور قريباً إلى البحث في ما يحصل على أرض السودان من مجازر بين الجيش و”الدرع السريع”.

وفي ختام هذه القراءة، تنحو الأجواء بعد تقدّم السعودية على بقية القوى الإقليمية في المنطقة، إلى عملية توزيع أدوار يُقال انّ ترامب سيتفرّغ لها في نهاية جولته المالية وحربه الجمركية، إلى إعادة نظر يوزع من خلالها الهدايا كما شهاداته على قادة الخليج القديم ودول الشرق الأوسط الجديد، وفق لائحة باتت محدودة جداً، لا تتعدى أصابع اليد الواحدة، وتتوزع حدودها بين الثلاثية القديمة ـ الجديدة، أي إسرائيل وتركيا والسعودية، لتنال كل منها ما يمكن أن تجنيه بقدراتها العسكرية والاقتصادية والديبلوماسية المتلازمة معهما.