خاص – جنبلاط: من بيضة القبّان إلى الوسيط

خاص – جنبلاط: من بيضة القبّان إلى الوسيط

الكاتب: ايلين زغيب عيسى | المصدر: Beirut24
6 حزيران 2024

مبادرات خارجية وتحرّكات داخلية لم تؤدّ كلّها إلى أي حلحلة في ملفّ انتخابات الرئاسة، بدءاً من عمل اللجنة الخماسية، وجولات الموفد الفرنسي جان إيف لودريان، وصولاً إلى اللقاءات التي تجري في قطر مع المسؤولين اللبنانيين. ويضاف إليها تحرّكات الكتل النيابية اللبنانية، وكان آخرها تحرّك كتلة الاعتدال الوطني، التي اصطدمت بتمسّك الأفرقاء بمواقفهم من دون تغيير. فماذا ستقدّم اليوم المحاولة التي يقوم بها الحزب التقدمي الاشتراكي عبر كتلة اللقاء الديموقراطي من جديد؟

بالطبع، لا أحد يتوهّم إمكان حصول خرق لجدار الرئاسة السميك. وحتّى أصحاب المبادرة يعرفون النتائج سلفاً. ولكن التحرّك أفضل من الجمود، على طريقة “الفنّ للفنّ”. وإذا لم يكن هذا التحرك مثمراً على الصعيد الرئاسي، فإنّه يقدّم فائدة لجنبلاط وحزبه في الوقت الضائع.

شعر وليد جنبلاط منذ بداية الحرب في غزّة، ثم انطلاق حرب الإسناد من لبنان، أنّ المنطقة دخلت في مرحلة متغيّرات كبرى. وعرف أنّ الحرب ستطول، وأنّ ما بعدها لن يكون كما ما قبلها. ورأى كيف أنّ “حزب الله” منخرط في هذه المعركة إلى النهاية. وهو يقدّم في سبيلها أثماناً باهظة من المقاتلين والقادة الذي تغتالهم إسرائيل، إلى القتلى المدنيين والدمار اللاحق بالقرى الجنوبية. وعلى رغم ذلك، فالحزب يعتبر أنّ هذه المعركة هي معركته، ولن يتخلّى عنها.

وبناء عليه، فإنّ الخبرة والحنكة علّمتا الزعيم الدرزي أنّه لا يمكن الوقوف في وجه فريق يحارب ويقدّم الشهداء ويتحمّل الخسائر، مهما كانت وجهة نظره من هذه الحرب. فاعتبر أنّ “الحزب يدافع عن لبنان”. وإذ دعا إلى عدم زجّ لبنان في الحرب، قال: “إذا كان قدرنا حرباً جديدة، فيجب علينا توحيد أنفسنا وترك السجالات الداخلية للتفرّغ لحماية المواطن”. وهو بهذا المعنى، ترك الطريق مفتوحاً أمام علاقة مع الحزب، من دون أن يقطع الحبل مع المعارضة.

وظه هذا التموضع الوسطي في شكل واضح في الفترة الأخيرة. فبعدما كانت كتلة اللقاء الديموقراطي صوّتت في البداية للنائب ميشال معوّض مرشح المعارضة الذي انسحب لاحقاً، عادت وصوّتت للمرشح جهاد أزعور، مع تأكيدها أنّها ليست متموضعة في أي اصطفاف. ويشار إلى أنّ كتلة جنبلاط لم تغب عن أي جلسة من جلسات الانتخاب، كما لم تستعمل الورقة البيضاء.

واليوم، وفي ضوء التطورات في غزّة والجنوب، قرّر جنبلاط ترك مسافة بينه وبين المعارضة من دون أن يقطع معها. وعاد إلى التموضع الذي يوصف بأنّه بيضة القبّان، مستنداً إلى صديقه الدائم نبيه برّي الذي لطالما مدّ له اليد في كل المفترقات، وساعده على الخروج بالحلول المناسبة.

ومن أجل تحصين موقعه الجديد، قرّر أن ينتقل إلى دور الوسيط. وبعد عودته من زيارة لفرنسا امتزج فيها الطابع الخاص بالطابع السياسي، اتخذ القرار بأن تقوم كتلة اللقاء الديموقراطي برئاسة النائب تيمور جنبلاط بجولات على الكتل والأحزاب اللبنانية، في تحرك يصبّ في خانة المبادرة الفرنسية، حيث التقط رغبة باريس في اعتماد الخيار الثالث، أي اللجوء إلى مرشّح توافقي، غير المرشّحين الحاليين سليمان فرنجية وجهاد أزعور.

ويقول النائب في كتلة اللقاء الديموقراطي بلال عبد الله لموقع beirut24 إنّ هدف التحرك الحالي هو “البحث عن كيفية بدء حوار جدّي وخلق مساحة تلاقٍ بهدف إنتاج تسوية داخلية عبر الاستفادة من الزخم الخارجي في هذا المجال”. وأكد عبد الله أنّ “التحرك الحالي لا يدخل في الأسماء، إنما يعمل لتقريب وجهات النظر وتهيئة المناخ التسووي الداخلي”.

وهكذا يكون جنبلاط قد أصاب عصفورين بحجر واحد. فهو أظهر قربه من الفرنسيين، وإرادته السير في مبادرة لودريان وتعبيد الطريق لها داخلياً، كما حفظ دوراً له في اللعبة اللبنانية من خلال التحرك الذي تقوم به كتلة الاشتراكي. فالفرنسيون طرف مقبول من جميع الجهات الداخلية والإقليمية. وبما أن باريس نفسها مستمرّة في مهمّتها أيضا ًمن أجل ضمان الحفاظ على دورها في المنطقة عبر البوّابة اللبنانية، فإنّ جنبلاط يحفظ له مكاناً، في حال نجح الفرنسيون في مبادرتهم يوماً ما.

في ظلّ المتغيّرات المقبلة على المنطقة، يريد الزعيم الدرزي أن يحمي رأسه ويمرّر العاصفة. ومع التقارب السعودي الإيراني الحاصل، يبحث عن مكان للدروز في هذه التركيبة. وإذا حصلت تسويات لاحقاً، فإنه يأمل أن لا يكون خارجها على الأقلّ.