
أهمية سعر صرف الدولار هي في أنه مؤشر لثقة المواطن بالكيان اللبناني وليس في عدد الليرات.
كتب محمد فحيلي، خبير المخاطر المصرفية والباحث في الإقتصاد
حان الوقت لنتوقف عن ملاحقة الدولار الأمريكي هنا في لبنان! المشكل إبتدأ بإدارة الدولة وغياب الحوكمة والمسؤولية بإدارة المال العام.
إبتدأ الإقتصاد اللبناني يتأثر بتداعيات هذا الفشل في سنة ال 2006، وبعدها تكررت الصرخات المطالبة بضبط الإنفاق والعجز والإستدانة المفرطة، ولكن لا حياة لمن تنادي!
تفاقمت الأمور عندما أراد من عنده فائض على فاتورة الإستهلاك (أي المودعين) والإيرادات (أصحاب المؤسسات ومنها المصارف) أن يكون له حصة من هذا الفلتان – أي يريدون الربح السهل! عندها إبتدأت رؤوس الأموال التوجه بعيداً عن الإستثمار في الإنتاج والذهاب إلى الفوائد على الودائع. ملاحقة الفوائد والتفاوض على أعلى الفوائد أصبح الشغل الشاغل عند أغلبية من يملكون الفائض في السيولة؛ حتى دفع بالبعض الإسراع إلى قبض تعويض نهاية الخدمة لوضعه في إيداع مصرفي فضفاض في مردوده.
“الإنفجار الإقتصادي” في ال 2019 كان ضمن توقعات الجميع، وكاذب ومنافق من ينكر ذلك. ال “لا مسؤولية” بإدارة الشأن العام إنعكست إنتحار في آذار 2020 عندما قررت السلطة الفاسدة والفاشلة إعتماد نهج “التعثر الغير المنظم” – أي الإمتناع، وهذا يتعدى بالمفهوم الإقتصادي التوقف، عن خدمة الدين العام من دون أي خطة – ولو الوعود الفارغة – لإعادة هيكلة وجدولة دين أو ديون الدولة.
النتيجة كانت، وما تزال، إنهيار إقتصادي حاد وسريع على كل الأصعدة، وفقدان الثقة في كل الاتجاهات؛ وتُركت مكونات الإقتصاد اللبناني، كل واحد منها ( أي القطاعات المنتجة من صناعة ومدارس وجامعات ومستشفيات و …) وفق قدراته، على إدارة تداعيات الأزمة عليه. وشرع كل منهم إلى إستحداث قواعد إشتباك بينه وبين زبائنه وفق ما يناسبه لضمان إستمراريته؛ ومن لم يستطع، أقفل أبوابه وصرف موظفيه من الخدمة. “حارة كل مين إيدو إلو!”
ولهذا السبب الحل للأزمة الإقتصادية التي يتخبط بها لبنان منذ إنفجارها في أواخر ال 2019 لن يأتي من بوابة خفض سعر صرف الدولار، ولا بإستعادة ودائع الناس؛ والحل ليس بحاجة، على الأقل في مرحلة الإنقاذ، إلى صندوق النقد الدولي. لبنان بحاجة ماسة الآن إلى الذهاب وبأسرع وقت إلى:
أ. إعادة تنظيم العلاقة بين مكونات الإقتصاد الخاص المنتج وزبائنها بذهنية إستبعاد الرغبة بالإستغلال والإحتكار، والتوجه نحو التعاون من أجل لبنان أفضل. دعنا نفكر بأولاد الوطن عند مقاربة هذه الخطوة. وهذه الخطوة قد تكون صعبة ولكنها ليست مستحيلة، وعدم إتخاذها قد يوصلنا إلى ما هو أصعب! التركيز يجب أن يكون هنا على أمرين اساسين: تمويل فاتورة الإستهلاك للأفراد للإستمرار بالإنفاق؛ وتمويل المصاريف التشغيلية للمؤسسات لإبقاء وضمان إستمرارية دوران العجلة الإقتصادية وتفادي الإختناق.
ب. ولمواكبة ما يقوم به القطاع الخاص، يجب المباشرة بإقرار الإصلاحات البنيوية وترشيد الإنفاق في مكونات القطاع العام. يجب مقاربة هذه الإصلاحات بذهنية “المواطن والوطن أولاً”، وليس بذهنية “المكاسب السياسية تعلو على كل إعتبار”.
هذه الخطوات بحاجة إلى إرادة أصحاب القرار وليس إلى موارد صندوق النقد الدولي. حاجة لبنان إلى الدول المانحة وصندوق النقد الدولي والصندوق الفرنسي-السعودي تأتي بعد مرحلة إنقاذ الذات. أهمية “إنقاذ الذات” هي أنها تساهم في ترميم الثقة بين مكونات المجتمع اللبناني من المواطن البسيط إلى رئيس البلاد، ومن مؤسسات القطاع الخاص إلى إدارات الدولة.
كل مال الدنيا سوف يذهب هدراً إذا بقيت الثقة مفقودة!
