رغم كل شيء… شكراً ماكرون!

رغم كل شيء… شكراً ماكرون!

الكاتب: نبيل بومنصف | المصدر: النهار
15 تموز 2024
قبل أسبوع تماماً من عيدها الوطني الذي أحيته أمس، خرجت فرنسا من معمودية انتخابية “زلزالية” أنتجت واقعاً غير مسبوق في الجمعية الوطنية بحيث لم يفز حقيقة أي من التكتلات الثلاثة التي توزعت النسبة الكبرى من المقاعد بالأكثرية. ستجرجر فرنسا طويلاً ذيول هذا الزلزال بما بات يعرفه اللبنانيون الذين تابعوا كسواهم تطورات هذا الحدث الذي يعنيهم ليس لجهة “المعرفة العامة” فحسب بل لأن ما بين لبنان وفرنسا العمق التاريخي المتجذر من العلاقات التاريخية، ثم إن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي حمّله كثيرون المسؤولية المباشرة في التسرع بقرار إجراء انتخابات مبكرة لديه لم يتخلّ لحظة عن إثبات إدراجه لبنان بين أولويات اهتماماته وسياسة بلاده الخارجية حتى في اللحظات الحرجة التي يمر بها وسط تداعيات استحقاقه الأخطر فرنسياً وأوروبياً ودولياً.
مناسبة التذكير بالملف الفرنسي اللبناني تتصل أولاً وأخيراً بواقع تتعيّن مقاربته بدقة وخطورة إلى حدود واسعة وهو أن زمن “الإدبار” الخارجي عن لبنان لم يعد أمراً مستقبلياً، محتملاً ومفترضاً ومرجّحاً، بل بدأت معالم زحف زمنه كواحد من العوامل التي ستزيد “عزلة” لبنان وتخبطه منفرداً في الآتي من الفترة الطالعة ولمدة يُخشى أن تطول بلا أفق أيضاً. مهما تكن الإخفاقات والأخطاء والهبوط والنزول في تموجات ما سُمي الوساطة الفرنسية في لبنان بملفي الرئاسة والوضع في الجنوب، فإن هذه الوساطة ستدلل على أهميتها متى افتقد لبنان “أي استفاقة” خارجية عليه بعد وقت قصير. تمضي الدول المؤثرة بقوة نحو الانغماس في أوضاع ذاتية ضاغطة لديها بما يستحيل معه ترقب دينامية دولية أو متعددة الجنسية كتلك التي تجري حالياً حيال لبنان، حتى إنها الآن راحت تسجل انحساراً مثيراً للقلق الجدي وتساؤلات عما سيعنيه الامر إذا طال زمن الازمة الرئاسية ولم نعد نشاهد وساطات ومبادرات من الخارج؟
المزايدون المضحكون على طريقة “الزجل السياسي” الذي يستدرج شعبويات عابرة، تراهم يضربون الطاولات بقبضاتهم ويرفعون أناشيد سخيفة برفض التدخل الخارجي في الانتخابات وكأن لبنان لم يفطر تاريخياً على هذا التدخل بعينه ولم تمر أزمة أو استحقاق إلا انتظر اللبنانيون خارجاً ما يسبح بين المكونات اللبنانية ويجترح الحلول والتسويات.
ومع ذلك يتجه لبنان الى واقع دقيق يتمثل بانصراف الدول الكبيرة صاحبة التأثير في الحروب والتسويات الى ذاتية استحقاقاتها كفرنسا والولايات المتحدة بما يعني تلقائياً أن ملفات وأوضاع كل الازمات في لبنان، ذاهبة لتمديد مفتوح غير محدود بزمن، شاء من شاء أن يعترف بهذه الحقيقة أو أبى. ولذا يتعين على اللبنانيين العائدين الى كوابيس السؤال عما بعد مواجهات الجنوب الحالية، التدقيق في تطورات معروفة مرت عليهم لتبيّن ما معنى أن تلح دول على إظهار الإصرار القوي على عدم تجاهل لبنان في عز تصاعد الخطورة من حرب عليه، إذ إن هذا ألعامل يفترض أن يشكل إنذاراً حقيقياً بأن منسوب الخطر على لبنان بلغ المستوى الذي يتجاوز الخطر الاقصى.
وتبعاً لذلك لا ندري كم يمكن نواب الجمهورية اللبنانية ألا يرتفعوا إلى مستوى الخطر الوجودي هذا وألا يستهينوا بدلالات إصرار جهات دولية على تنبيه اللبنانيين من نيّات إقليمية وعربية مكشوفة تحلم بتغيير جوهر لبنان ومعه القواعد الديموقراطية… هل ترانا ننتظر إفهامنا “بالملعقة” عمق الخطر على لبنان وماذا عن أكبر شاهد كفرنسا شاركناها وشاركتنا حتى في أخطائنا الكارثية ولو أننا “نتفرج” على أزمتها الآن؟