
خاص- السعودية تناور: رِجل في طهران وأخرى في واشنطن
إشارات سلبية حيناً وايجابية حيناً آخر تتوالى في ملف العلاقات بين الرياض وطهران منذ أن أُعلن الاتفاق على التطبيع بين البلدين في آذار الماضي. كذلك تصدر إشارات متناقضة في العلاقة ما بين الرياض وواشنطن من جهة، وايران والولايات المتحدة من جهة أخرى.
فتطبيق الاتفاق السعودي الايراني تباطأ كثيرا في البداية وفقد من زخمه، قبل أن تسود توترات بين الجانبين حول ملفات عدة، منها الخلاف على حقل الدرة النفطي وتعثر الحلول في اليمن واستمرار العرقلة في الموضوع الرئاسي اللبناني. وفجأة أُعلنت قبل أيام مباشرة العمل في السفارة السعودية في ايران، فيما وجّه الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز دعوة للرئيس الايراني ابراهيم رئيسي إلى زيارة المملكة، التي سيصل اليها قريباً وزير الخارجية الايراني حسين أمير عبد اللهيان.
يتزامن ذلك على الخط الاميركي الايراني مع الاتفاق الذي حصل حول تبادل الأسرى، في مقابل تحرير 6 مليارات دولار من الأصول الايرانية المجمّدة في كوريا الجنوبية.
كذلك، تحرّك الخط الأميركي السعودي. فقد راحت وسائل اعلام أميركية واسرائيلية تتحدث عن “تطبيع وشيك” بين الرياض وتل أبيب، فيما ردّت السعودية بتعيين سفير لها لدى دولة فلسطين.
ماذا يعني كل هذا الارتباك؟ ولماذا التقارب والخلاف في الوقت عينه؟
استنادا إلى مراقبين في العاصمة الأميركية، فإنّ ادارة الرئيس جو بايدن غير راضية بالطبع عن اتفاق التطبيع السعودي الايراني لأنه تمّ برعاية صينية. وهي ترفض تنامي الدور السياسي لبكين في الشرق الأوسط وتعزيز الحضور الايراني. ولكنها فهمت أيضا الرسالة السعودية، وسارعت الى فتح قنوات الاتصال مع الرياض بهدف فرملة الانفتاح على ايران. ولكن السعودية التي تعتمد اليوم نهجاً جديداً في السياسة الخارجية، تريد ضمانات أمنية أكيدة من الولايات المتحدة، وليس “مجرد كلام”. فالتجربة التي مرت بها في الحرب اليمنية وفي الصراع مع ايران لم تكن مشجعة على صعيد الدعم الأميركي المطلوب. وتعرف المملكة مكانتها كثقل سياسي وكقوة اقتصادية ونفطية عالمية. وليس من مصلحة واشنطن تركها في الأحضان الصينية والروسية، خصوصا في المرحلة التي تقود فيها حرباً ضد موسكو في أوكرانيا.
لذا تريد الرياض ثمناً كبيراً للتخلي عن الاتفاق مع طهران وتخفيف التقارب مع الصين وروسيا. وهذا الثمن ليس أقل من اتفاقية دفاعية وصفقات أسلحة وبرنامج نووي مدني، فيما تعرض واشنطن في المقابل تطبيعا مع اسرائيل لن يكون سهلاً في ضوء الشروط التي تضعها الرياض والمتعلقة بمبادرة السلام العربية، والقائمة على الأرض في مقابل السلام، وقيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية.
وتبدو ايران في هذه اللعبة كأنها الرابح الأكبر حتى الآن. فهي لم تقدم بعد أي تنازل في الملف النووي الذي توقّف التفاوض حوله مع الولايات المتحدة قبل عام. كما أنها تمكنت من تحقيق التقارب، ولو النسبي، مع الرياض. وها هي اليوم تحرّر مبدئياً مليارات من الدولارات المجمدة، والتي ستصب في النهاية في مصلحة تمكين الاقتصاد الايراني الذي أنهكته العقوبات.
وفي تشرين الأول المقبل هناك استحقاق مهم. ففي الثامن عشر منه تنتهي سلسلة من المهل الزمنية المتعلقة بعقوبات وقيود وببرنامج ايران الصاروخي. وقد تكون اعادة فرض العقوبات بالكامل أمراً مستبعداً، إذ إن تمديد صلاحية بعض القيود يحتاج الى قرار من مجلس الأمن. وهذا الأمر لا يمكن أن يحصل في ضوء رفض روسيا والصين. أما القيود الأوروبية فتجديدها من عدمه يخضع لنقاشات داخل الدول الأوروبية المعنية، فيما تؤكد واشنطن استمرارها في فرض العقوبات.
ولكن، ما طرأ حديثاً على الملف هو التطور الايراني العسكري المتعلق بتصنيع المسيّرات، وتزويد روسيا بها في حربها على أوكرانيا. وهذا التطور يُدخل عنصراً جديداً في التشابك بين الغرب وموسكو.
اذا، هذه المعطيات المتداخلة في شكل كبير تجعل من أي تسوية لملفات المنطقة الساخنة مرتبطة بالصراعات الدولية والاقليمية من اوكرانيا إلى الصين وصولا الى ايران وأيضا الى لبنان.
لذا، تحافظ السعودية على مواقعها التفاوضية في كل من الساحتين الايرانية والاميركية. وبما أن الانتخابات الرئاسية الأميركية تحين بعد عام وبضعة أشهر، فإن من مصلحة بعض الجهات الحسم قبل هذا الموعد، فيما تفضّل أطراف أخرى تأجيل الحسم الى ما بعد الانتخابات الأميركية. فما يمكن أن يكون مع الرئيس الحالي قد يتغير مع الادارة الاميركية الجديدة، سواء عاد بايدن أو ترامب أو سواهما.
