«تقريع» دولي للسلطة اللبنانية و«البنك المركزي»: الأزمة من صنع الإنسان… وكان يمكن تجاوزها

«تقريع» دولي للسلطة اللبنانية و«البنك المركزي»: الأزمة من صنع الإنسان… وكان يمكن تجاوزها

المصدر: الراي الكويتية
12 ايار 2022

شكّل التقريرُ الذي صدر عن مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بمسألة الفقر المدقع وحقوق الإنسان أوليفييه دي شوتر، أقوى إدانة للسلطات اللبنانية على خلفية الأزمة المالية غير المسبوقة التي أدت إلى «إفقار غير ضروري» لغالبية السكان «الذين يتخبطون لتأمين الحدّ الأدنى من احتياجاتهم».

ورغم أن «التقريع» الأممي والدولي للبنان الرسمي، سواء في تَسَبُّبه بوضع البلاد في فم واحدةٍ من 3 أسوأ أزمات عرفها التاريخ منذ 1850 أو في إدارته لها تقنياً كما سياسياً ليس جديداً، إلا أن تقرير دي شوتر، الذي جاء ربْطاً بمعاينته الواقع اللبناني إبان زيارته لبيروت في نوفمبر 2021 انطوى على تصويبٍ غير مسبوق على مسألتين، الأولى شمول البنك المركزي اللبناني في سياق «توزيع المسؤوليات»، والثانية اعتبار «الدولة اللبنانية بما في ذلك مصرفها المركزي»، مسؤولة عما أسماه للمرة الأولى «انتهاكات حقوق الإنسان، بما في ذلك الإفقار غير الضروري للسكان، الذي نتج عن هذه الأزمة التي هي من صنع الإنسان» وكان «يمكن تجاوزها بالكامل».

وإذ أكد التقرير أنه يتعيّن «أن يغيّر لبنان مساره»، لفت إلى أنه «يمكن عكْس اتجاه البؤس الذي حلّ بالسكان بقيادةٍ تضع العدالة الاجتماعية والشفافية والمساءلة في صميم أعمالها»، موضحاً أنه «يجد تسعة من كل عشرة أشخاص صعوبة في الحصول على دخل، وما يزيد على ستة أشخاص من كل عشرة سيغادرون البلاد لو استطاعوا إلى ذلك سبيلاً».

ورأت الأمم المتحدة أنه يمكن «للمجتمع الدولي، بل وينبغي له، أن يقدّم الدعم، ولكن هذا الدعم لن يكون له أثَر إلا إذا اعتُمدت إصلاحات هيكلية لوضع حدّ لعملية التفقير».

وما جَعَلَ هذه الإدانة الأممية تكتسب أبعاداً بالغة الدلالات أنها أتت في الساعات الأخيرة الفاصلة عن انتخاباتٍ نيابية تُسدل الستارة عليها الأحد بفتْح الصناديق لنحو 3 ملايين و700 ألف مقيم في لبنان، وهو أوّل استحقاقٍ انتخابي يُتاح فيه لأبناء «بلاد الأرز» أن يكونوا أمام إمكان «محاسبة» مَن يعتبرونهم مسؤولين عن «خراب» الوطن الصغير الذي تَكاتَفَ عليه منذ 2020 «تسونامي الانهيار» المتوحّش الذي رمى بأكثر من ثلثيْ المواطنين تحت خط الفقر، والانفجار الهيروشيمي في مرفأ بيروت، ناهيك عن الأزمات السياسية التي عمّقت الحفرة المالية والتي شكّلت «الرمالَ المتحركة» لمجمل الواقع اللبناني وانزلاقاته المميتة.

ورغم الحمّى الانتخابية التي بلغت مستوياتٍ قصوى في إطار التحشيد الشعبي للناخبين، فإن لا مؤشرات تدلّ على إمكان أن يحمل استحقاق 15 مايو تغييراً كبيراً على مستوى الطبقة السياسية التي خرج عدد كبير من اللبنانيين في 17 أكتوبر 2019 في انتفاضةٍ بوجهها حين كانت الإشاراتُ السبّاقةُ للانهيار ترتسم في الأفق المالي والمصرفي والنقدي، وذلك بعدما لم تنجح «قوى التغيير» من المجتمع المدني في الاصطفاف ضمن لوائح موحدة في الدوائر الـ 15 لتقديم بديلٍ لا تَتَشتّت معه أصوات مؤيدي «الثورة»، وأيضاً في ظل استعادة الاستقطاب السياسي بين الائتلاف الحاكم «حزب الله» و«التيار الوطني الحر» وبين خصومهما مما يُعرف بـ «القوى السيادية»، والذي عاد معه الاعتبارُ بقوةٍ للبُعد السياسي «الأصلي» في الأزمة المالية التي فاقَمها إبعاد لبنان عن «حزام الأمان» الذي لطالما شكّلته خصوصاً دول الخليج العربي.

ورأت أوساط سياسية أن الصورة السودوية التي عبّر عنها تقرير الأمم المتحدة مرشّحة لمزيد من الفصول الداكنة التي تشي بـ«كوابيس» ما بعد انتخابات الأحد، إذ ستكون البلاد أمام مرحلة انتقالية بالغة الدقة، على ضفّتي استحقاقيْ تأليف الحكومة الجديدة والانتخابات الرئاسية اللذين لا يمكن التكهن بمآلهما في ضوء ارتباط كيفية إدارة دفّتيْهما، أولاً بما ستحمله نتائج صناديق الاقتراع وأيضاً بحسابات الأفرقاء الوازنين ذات الصلة خصوصاً برئاسية 2022، وسط سؤالين: الأول هل سيكون متاحاً تحقيق «معجزة» بتأليف حكومةٍ قبل 31 أغسطس الجاري (موعد دخول البرلمان في انعقاد دائم حتى انتخاب رئيس علماً أن ولاية الرئيس ميشال عون تنتهي في 31 أكتوبر).

والثاني ما مصلحة الأطراف المعنيين مباشرة بالاستحقاق الرئاسي ولا سيما رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل لجهة دخول المدار الرئاسي بحكومة تصريف أعمالٍ بتوازناتِ ما قبل الانتخابات النيابية، أم بتشكيلةٍ «طازجة» تسمح بمزيد من «الاستحكامات السياسية» التي تعزّز الحظوظ الرئاسية.

ولا تقلّ مَهمة «إقلاع» البرلمان الجديد تعقيداً، إذ يتعيّن عليه إقرار مشاريع قوانين وإصلاحات اشترطها صندوق النقد الدولي من أجل التوقيع النهائي على خطة مساعدةٍ بقيمة ثلاثة مليارات دولار على أربع سنوات، وسط ملامح «اشتباك» حول خطة النهوض التي ارتكز عليها الاتفاق الأولي مع الصندوق ولا سيما لجهة توزيع الخسائر المالية، والتي «حاصرها» حزب الله برفْض مزدوج لتحميل المودعين جزءاً كبيراً منها عبر شطب 60 مليار دولار من التزامات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية إزاء البنوك التجارية، كما لأي استخدام لأصول الدولة لتعويض الخسائر، وذلك عبر تحميل أمينه العام السيد حسن نصر الله «المسؤولية الأولى عن خسارة أموال المودعين للمصارف، التي حصّلت أرباحاً هائلة من خلال السياسات المالية التي كانت قائمة».

وإذ كانت الحكومة اللبنانية عقدت، أمس، أولَ لقاءٍ عن بُعد مع حَمَلَة سندات اليوروبوند الذين كانت حكومة الرئيس حسان دياب، أعلنت في مارس 2020 التخلف عن دفعها (تبلغ قيمتها نحو 31 مليار دولار موزّعة بين صناديق استثمار أجنبية ومصارف لبنانية ومصرف لبنان، بالإضافة إلى نسبة قليلة لأفراد أجانب أو لبنانيين) وذلك لشرح مضمون الاتفاق الأولي مع صندوق النقد وكيفية تطبيقه ولو خلال فترة تصريف الأعمال، لم يكن ممكناً في سياق متّصل القفز فوق أبعاد إغراق مرحلة ما بعد 15 مايو بعنوانٍ لا يمكن إسقاط امتداده الإقليمي، ويتصل بملف الترسيم البحري بين لبنان وإسرائيل، حيث برز تناغُم الثنائي الشيعي رئيس البرلمان نبيه بري ونصر الله في تحديد إطار زمني و«أمني» لإدارته في الأسابيع المقبلة.

فالرئيس بري، أعلن «أن الاتفاق الإطار (الذي تم التوصل إليه مع الأميركيين) يبقى الآلية الصالحة لإنجاز الترسيم الذي يمنح لبنان الحق باستثمار كامل ثرواته في البحر من دون تنازل أو تفريط أو تطبيع أو مقايضة»، مؤكداً «تحت هذا السقف لبنان الرسمي مستعدّ لاستئناف المفاوضات في أي لحظة، والكرة في ملعب الأطراف الراعية للتفاوض غير المباشر ولكن ليس إلى العمر كله ولمدة أقصاها شهر واحد يصار بعدها للبدء بالحفر في البلوكات الملزّمة أصلاً من دون تردد وإلا تُلزّم شركات أخرى».

وفي موازاة ذلك، وبعدما كان أعلن «لا ثقة بالوسيط الأميركي»، لوّح نصر الله بإطلاق مسيّرات جوية فوق السفينة التي أبحرت باتجاه المياه الإقليمية للتنقيب في حقل كاريش «لا لنقصفها بل لنعطيها إنذاراً»، مؤكداً «من حق لبنان التنقيب عن الغاز والنفط في المنطقة المتنازع عليها، كما يفعل العدو»، وموضحاً «بلدنا غني، وكنزنا موجود في البحر، وهذا ما تقوله المعطيات. وما نحتاج إليه هو امتلاك جرأة التلزيم»، مضيفاً «إذا أراد العدو منعنا من التنقيب، فإننا قادرون على منعه» أيضاً.