المواطن يلهث خلف الرغيف

المواطن يلهث خلف الرغيف

المصدر: الجمهورية
28 تموز 2022

لا يُلام المواطن اللبناني إن جاهر بكفره وقرفه من الواقع الفضائحي الذي يعيشه؛ واقع ساقط في حفرة قهر وذلّ لم يشهد تاريخ هذا البلد مثيلاً لهما.

واقع، استُرخِص فيه الوطن، وأُسقط إلى رتبة مزرعة فالتة، وها هو يُحتضر أمام أعين مدّعي الحرص الكاذب عليه، على مذبح صراعاتهم السياسية والاستعراضية، وحساباتهم الحزبية واجنداتهم المتصادمة، واما لبنان فليذهب هو وشعبه إلى الجحيم.
واقع، كُسِرت فيه الدولة وهيبتها، وتداعت أسسها وكل مؤسساتها، فباتت فاقدة لمعناها، ولمقومات استمرارها.. دولة يحكمها العدم، اضمحلّ فيها الشعور الوطني والحسّ المسؤول الراعي لشؤونها ولشؤون ناسها، الذين صاروا جميعهم متسوّلين لأبسط مقومات حياتهم ومعيشتهم، ولاهثين بحثاً عن رغيف خبز فلا يجدونه.
من حقّ الناس أن يكفروا بدولة كهذه، مقيّدين فيها بأغلال مسؤول غَيّب نفسه وتخلى عن مسؤوليته، وحكم بتخلّيه هذا على شعب بأن تستبيحه اللصوصية والابتزاز، وأن يتنقّل من ذلّ إلى ذلّ أكبر، ومن سوق سوداء إلى سوق أكثر سواداً، ومن لص فاجر محتكر لأساسيات حياة الناس، إلى لصّ أكثر فجورا. وحلقات مسلسل البؤس والاذلال تتوالى على مدار الساعة في السوبر ماركت، ومحطات المحروقات، والصيدليّات، والمستشفيات، والأفران. ناهيك عن عصابات المصارف والسطو على مدّخرات اللبنانيين وودائعهم.. فأيّ دَرك أسفل من هذا الدرك الذي استوطن فيه شعب جيوبه فارغة وبطونه خاوية، وهل ما زال ثمة باب خلاص منه؟ وكيف؟ مع مسؤول لا مسؤول، ومكونات لا ترى أبعد من حساباتها ومصالحها وحدها؟

محطة توتير إضافي
هذه الصّورة البشعة، توازيها صورة مثلها، تعكس الوجه الآخر لمعاناة لبنان واللبنانيين، وتَبدّت في المجلس النيابي امس الأول، وظهّرت مكونات سياسية يجمعها الانقسام الحاد وهو أمر يُبقي البلد مقيماً ليس في حلبة تنافس لخدمة مصلحته، بل في حلبة استعراضات وعراضات ومزايدات وصراع مفتوح على كل ما شأنه أن يعمّق الفجوة الداخلية، ويثبت الافتراق الكامل الذي يستحيل معه الالتقاء طوعاً فيما بينها، حتى على أصغر بديهيات البلد وضروراته.
ومن هنا، فإن هذه الصورة، وكما تقول مصادر مجلسية لـ«الجمهورية»، يمكن اعتبارها تأسيسية لما سيكون عليه حال الجلسات التي سيعقدها المجلس النيابي مستقبلاً وتحت أي عنوان، سواء تحت عنوان تشريعي او انتخابي او مناقشة الموازنة العامة، او مناقشة عامة لمناقشة سياسة الحكومة. ما يعني انّ أي جلسة عامة مقبلة للمجلس النيابي هي محطة توتير سياسي إضافي لا أكثر ولا أقل.
ولفتت المصادر إلى ما قاله رئيس مجلس النواب نبيه بري خلال محاولته كبح «المصارعة النيابية» التي شهدتها أولى الجلسات التشريعية امس الأول بأنه يُعوَّل على هذا المجلس لانقاذ البلد، ملمّحاً بذلك الى المسار الاصلاحي الذي سيسلكه مجلس النواب ومقاربة مجموعة كبيرة من الملفات والاساسيات التي تصبّ في معالجة أزمة البلد. وقالت: امام ما شهدناه في الجلسة التشريعية، كيف يمكن عبور مسار الاصلاحات في ظل هذه التناقضات التي يعوم عليها المجلس؟!