الأسد وصدّام والسادات بالملابس الداخلية: نرجسية وتوظيف سياسي

الأسد وصدّام والسادات بالملابس الداخلية: نرجسية وتوظيف سياسي

الكاتب: محمد حجيري | المصدر: المدن
14 كانون الأول 2024
من بين صور آل الأسد التي انتشرت، بعد سقوط نظام الأبد في سوريا، ودخول المواطنين إلى قصر المهاجرين ومنزل الرئيس المخلوع في حي المالكي، عدا صور الرئيس الابن عارياً التي تنم عن سذاجة ما، هناك صورة الأب. بطل تشرين، وصانع الأبد، حافظ الأسد، بالسروال الأسود القصير “قَبّة سبعة”، مستعرضاً عضلاته، يقف مكشّر الوجه مثل رياضيّي كمال الأجسام. صورة تنم عن رجولته ونرجسيته. ماكرة، لشخصية شديدة التوحش والغموض. الارجح أنه كان يتصوّر لنفسه، ليري نفسه في شبابه، استعراض للعضلات من دون عضلات، وسوبرمانية ذاتية في الخفاء، كمقدمة لسوبرمانية في العلن والبطش السياسي. لهذا لم يكن مستغرباً أن يبدأ التهكم الفايسبوكي، ووضع الصورة على أغلفة مجلات “العملاق” و”سوبرمان” القديمة، ووصف رأس الرئيس الراحل بأنه مثل “سبونج بوب”…

والنافل أن الأسد الأب لم يخرج عن كونه صنماً سياسياً، بقي ضمن قواعد الحاكم الصارم، في ملابسه وصوره وسلوكياته، ومن وبعد ربع قرن على غيابه، أتت صورة بالملابس الداخلية لتخترق صنميته المرسومه في الوجدان.

إلا أن نعنى تصوير الرؤساء عراة إلا من “الكلسون”، بحسب التعبير الشعبي السوقي، يختلف، تبعاً للظروف والتوظيفات السياسية. فلم يظهر الأسد الأب في أي صورة مثيرة في حياته، ولا أعتقد أن أحداً منا اليوم كان في باله أنّ الأسد الصنمي يهوى هكذا صور، في حين يظهر الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات بالملابس الداخلية وهو يحلق ذقنه في استراحة المعمورة في الإسكندرية.

التقط فاروق إبراهيم، مصور جريدة “أخبار اليوم”، الصورة، قبل شهرين من اغتيال السادات العام 1981، وتناقلتها الصحف العالمية. وللصورة قصة، ولم تكن مجرد صورة. “أنتم ما بتفهموش حاجة.. هي دي الصحافة”، هكذا صرخ السادات في وجه زوجته جيهان وكبار مستشاريه، حينما اعترضوا على الصور التي نشرتها الجريدة تحت عنوان “يوم فى حياة الرئيس”. وقال الدكتور محمد عفيفي، رئيس قسم التاريخ في جامعة القاهرة، إنّ شخصية السادات تمتلك مقومات “الداهية السياسي”، بعكس الرئيس الراحل جمال عبد الناصر الذي كانت شخصيته كاريزمية. وتابع أن الفارق بين شخصية الكاريزما وشخصية الداهية السياسي تتجلى في عدم وجود صور كثيرة للرئيس عبد الناصر بالمايوه، أو ملابس البحر مع أصداقائه. في حين أن الرئيس السادات، نشر صوراً له بملابسه الداخلية وهو يحلق ذقنه. وواصل أن هذه الصور للسادات لم تكن موجهة للمواطن الشرقي أو المحلي، لكنها تجذب انتباه الغرب كثيرًا، وتظهره أمامهم بمظهر الرئيس البسيط.

كان الأسد يستعرض نرجسيته في مكان بلا جمهور، وازدهرت في أيامه السجون والمعتقلات. بينما سعى السادات إلى كسب الرأي العام الغربي، أو هكذا يزعم. هو ما يذكرنا بالكاتب الأيطالي أمبرتو إيكو، الذي يعتبر أنّ الملابس ليست مجرّد قطع قماش، بل هي بمثابة نصوص يجب فكّ شيفرتها. ففي كتابه “مقدمة في البحث السيميائي”(1972)، رأى إيكو أنّ الثياب تحمل إشارات وتنقل معاني ورسائل، يمكن تفسيرها وفقاً لسياقات ثقافية واجتماعية وتاريخية مختلفة، ويمكن أن تحمل شعارات تُروّج لأفكار وقيم متنوعة.

في المقلب الآخر، استُخدمت صور الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، بالملابس الداخلية، لأغراض الإهانة. فصحيفة “ذا صن” البريطانية كانت نشرت العام 2005 مجموعة من الصور التي تظهر صدام في زنزانته في العراق وهو بملابسه الداخلية، تحت عنوان “الطاغية في سرواله الداخلي”. ولم تُخفِ الصحيفة يومها أنها دفعت المال لمصدر عسكري أميركي مقابل هذه الصور. ونقلت “تلغراف” البريطانية أيضاً، عن غراهام دودمان، مدير التحرير “ذا صن” قوله آنذاك “ان مصادر عسكرية أميركية سلّمت هذه الصور أملاً في توجيه ضربة قوية للمقاومة في العراق”.

والحال إن ما فعله بشار خلال هروبه، أي ترك ألبوم صوره الكثيرة عارياً وبالملابس الداخلية، بدا كافياً لجعله سخرية العصر، بعدما كان جزّار العصر.