مكب نفايات لبيروت والجنوب من جرد بريتال إلى عين الوردة

مكب نفايات لبيروت والجنوب من جرد بريتال إلى عين الوردة

الكاتب: عيسى يحيى | المصدر: نداء الوطن
28 نيسان 2025

في زمن الفساد المقنع والمغلف بشعاراتٍ رنانة، تسقط القيم الأخلاقية أمام صفقات مشبوهةٍ تحاك على حساب كرامات الناس وصحتهم. تطبخ هذه المؤامرات على نارٍ هادئة في جرود بريتال – قضاء بعلبك، حيث تزرع مؤامرة بيئية على أرض نظيفة، فقط لأن الانتخابات والبيع والشراء اقتضت اللعب بأرواح الناس من أجل تحقيق مصالح فردية وحزبية.

من جرود بلدة بريتال الواقعة على تخوم السلسلة الشرقية إلى محلة عين الوردة درّ، حيث ستتحول الأرض هناك إلى مكب لنفايات بالأطنان مصدرها محافظتا بيروت والجنوب، برعاية جهة نافذة وشخصيات بقاعية ارتضت لأهلها الضرر البيئي والصحي. ففي خطوة تحمل في طياتها الكثير من الريبة والشكوك، وبعد أن وقف أهالي بلدة بريتال قبل سنوات سداً منيعاً بوجه هذا المشروع، ومع اقتراب موعد الانتخابات البلدية حيث يحاك التوافق وتُنجز اللوائح على حساب بلدات بقاعية بأكملها، يطل المكب وبجانبه معمل إسمنت من محلة عين الوردة، بعد أن استكملت الإجراءات من شراء أراضٍ، ووضع اليد على مشاعات، وتجهيز الطريق أمام الشاحنات دون مرورها في أي بلدة يمكن أن يتعرّض لها الأهالي.

جذور القصة تعود إلى العام 2000 وفق مصادر مطلعة ومعلومات حصلت عليها “نداء الوطن” وستكشفها تباعاً في تقارير بالأسماء، حيث اتّخذ القرار بإقامة مكب للنفايات السامة والطبية وغيرها في جرود بلدة بريتال، وتمّ وضع حجر الأساس الذي تم الاعتراض عليه لاحقاً وتحطيمه، وبعد فشل إقامته وما تبعه من محاولات لشركة “ميراج” بنقل نفايات سامة وطبية إلى جرد بريتال وتم توقيفها أيضاً، عاد المشروع إلى دائرة الضوء بعد اتفاقيات، قال مصدر مطلع لـ “نداء الوطن”، أنه جرى التفاهم عليها منذ أسابيع، على أن يتم سردها بالوثائق والحقائق.

وفي التفاصيل، وفق معلومات “نداء الوطن”، أن المكب سيقام على عقار رقم 249 في محلة عين الوردة التابعة عقارياً لبلدة حورتعلا والمجاورة لجرد بريتال، حيث تبلغ مساحة العقار 1100 دونم اشتراه رجل الأعمال ح. س. منذ سنتين تقريباً. كذلك تم شراء العقار 244 من قبل ح. س. أيضاً، والذي تبلغ مساحته 1750 دونماً، وهو محاذٍ للعقار السابق ليتم بناء معمل ترابة عليه، تعود ملكيته للشاري ح. س. بالشراكة مع ع. د. ابن أحد المسؤولين، وشريك ثالث من المنطقة من آل م.

والأخطر، وفق المصدر، أن عملية تزوير أوراق ثبوتية لأشخاص متوفين حصلت من أجل شراء أربعة آلاف متر، وتم بعدها وضع اليد على عقار من المشاعات تقدر مساحته بأربعين ألف متر، لفتح طريق عند مثلث بلدات حورتعلا، الخضر، الخريبة، كي لا تمر الشاحنات المحملة بالنفايات في بلدتي بريتال أو حورتعلا، وبذلك يكون عرّاب الصفقة قد ظهر أمام بيئته أن لا علاقة له بالملف.

وإذ تتخطى خطورة المشروع بلدتي بريتال وحورتعلا، وتشمل بلدات حام، معربون، النبي شيت، الخضر، ويمتد تأثيره البيئي إلى قرى الشرقي كافةً، مع ما يحمله من كوارث محتملة على المياه الجوفية والهواء والصحة العامة، فالأضرار باتت جوية وجوفية. يشير المصدر أن البدء بمشروع المكب سيبدأ بعد نجاح البلديات،مع مغرياتٍ يتم تقديمها عبر التوظيف وغير ذلك، وعليه يتم تشكيل اللوائح التوافقية والتي تجمع الأضداد بهدف تشريعه دون أي معارضة، كذلك يتم تركيب لوائح في البلديات المجاورة للمنطقة لضمان سلاسة المشروع.

وبالعودة إلى شركة ميراج، فهي ليست اسماً جديداً في ملف النفايات في لبنان، ففي عام 2019، تقدمت بلدية بريتال بشكوى قضائية ضد شركة ميراج، متهمة إياها بالتوقف عن إزالة النفايات السامة التي كانت قد راكمتها في جرود البلدة، ما أدى إلى تفاقم الأضرار البيئية والصحية في المنطقة.

وفي  العام نفسه، تقدم النائب جميل السيد بإخبار لدى النائب العام التمييزي، مطالباً بالتحقيق مع شركة ميراج وشركة سويز الفرنسية، على خلفية رمي الوحول البرازية السامة الناتجة عن محطات تكرير الصرف الصحي في جرود البقاع، بما في ذلك مناطق بريتال وبدنايل وشمسطار. وأشار السيد إلى أن ميراج كانت متعاقدة مع مجلس الإنماء والإعمار لمعالجة هذه المخلفات، لكنها قامت برميها عشوائياً دون معالجة، ما يشكل جريمة بيئية خطيرة.

اللافت أن شركة ميراج، التي سبق أن فشلت في تمرير مشروع مكب النفايات في بريتال بسبب اعتراضات الأهالي، تعود اليوم بغطاء جديد، مستفيدة من التوافقات الانتخابية بين جهات نافذة وبعض الشخصيات المحلية. ويبدو أن المشروع يُمرر هذه المرة بهدوء، عبر شراء عقارات خاصة ووضع اليد على عقارات مشاع، دون الرجوع إلى الأهالي أو مراعاة الأضرار البيئية المحتملة.

وعليه،  فإن عودة ميراج إلى الواجهة تثير العديد من التساؤلات حول دور الجهات الرسمية في حماية البيئة وصحة المواطنين، وحول مدى التزامها بمحاسبة الشركات التي سبق أن ارتكبت مخالفات بيئية جسيمة، وهل الدولة اللبنانية مع إنشاء المكب في هذه المنطقة؟