“قطع الحساب” فوق الحسابات

“قطع الحساب” فوق الحسابات

الكاتب: بشارة شربل | المصدر: نداء الوطن
8 شباط 2022

لا يحول تقديرنا العالي لمواقف البطريرك الراعي منذ ثورة 17 تشرين دون الاختلاف معه بشأن “الخط الأحمر” الكنسي الذي حصَّن به النظام المصرفي المهترئ وحاكم مصرف لبنان.

محقٌ البطريرك، منطقياً وانطلاقاً من مبدأ المساواة، في رفض الاستنسابية والانتقاء، خصوصاً حين يمارس المحرِّض، سواء كان رئيس جمهورية أم قاضية تابعة لتيار، كيديةً لا تليق بالموقع، واستهدافاً لتحقيق “إنجاز” على أبواب انتخابات وتنصيب أحد الأزلام، فيما يُغَضُّ الطرْف عن “كبائر” انفجار 4 آب وآلام أهل الضحايا، و”يُخفَضُ جناح الذل” أمام انتهاك السيادة والسلاح غير الشرعي.

حبذا يا غبطة البطريرك لو يَمثلون، كبيرهم وصغيرهم، أمام قضاة يتمتعون بنزاهة رئيس مجلس القضاء وشجاعة القاضي البيطار، فيُحاكَم المذنب ويُخلى سبيل البريء ونبدأ زمناً جديداً يطوي “جمهورية انعدام الأخلاق” التي تفشَّى وباؤها منذ ثلاثة عقود، وانتهت بلبنان واللبنانيين الى فقر وإفلاس وشريعة غاب.

كأني بغبطتكَ تقول “كلن يعني كلن” تحت سيف القانون. نحن معك قلباً وقالباً، ليس لأنّ العدالة تفترض ذلك فحسب، بل أيضاً لأن لا إصلاح بلا “قطع حساب” مع جميع الفاسدين. معك ندعو الى مساءلة كلّ من تسلم مسؤولية تشريعية أو تنفيذية أو تعدّى على مالٍ عام. نريد المحاسبة بالتأكيد خصوصاً أننا مطالبون، نحن والجيل المقبل، بالتضحية وبتحمل الخسائر إكراماً لعيون منظومة الناهبين كما لو أننا تسبّبنا بسرقة الودائع، أو تآمرنا على الدولة وخزينتها بالصفقات، أو نسجنا تحالفاً لئيماً بين الفساد والسلاح، أو عطَّلنا البلاد سنوات لنأتي برؤساء حكومة فاشلين، او بوزراء مخبولين، أو بحقيبةٍ لوريث شرِه، أو بكرسيّ الحلم لـ”مخلّص” هبط بنا الى الجحيم.

يا غبطة البطريرك، إننا مرغمون على تحمّل وزر ما ارتكبه الحاكم والحكام وعصابة المصارف وكلّ المافيا. لذلك إنّ “أضعف الايمان” حصولنا على تعويضٍ مناسب عبر المحاسبة، ليس انتقاماً – مع انّه حقّ لنا – بل ليبقى مانحٌ يمدّنا بالأوكسجين، ولئلا نخجل أمام أبنائنا الذين سيبدأون من الصفر بعدما استبيحت المدّخرات، ولنحرم السارقين من قناعة أن “الإفلات من العقاب” سارِِ عليهم مثلما يسري على الاغتيالات وعلى الوزراء والنواب وقادة الأجهزة المشتبه بهم في جريمة النيترات.

غبطة البطريرك. لا يجوز رفض التوقف عند إشارة السير الحمراء بحجة أن الفوضى تعم البلاد، ولا انعدام التعاطف مع ضحية أو اطفاء حريق كوننا صرنا كلنا في “جهنم”، مثلما من غير المقبول ألّا تسود قوى الشرعية في كلّ لبنان بذريعة تحرير شبعا وفلسطين. رياض سلامة حلقة في سلسلة. تقضي العدالة بضبط أي فرد من العصابة والسعي لاعتقال الباقين. هو ليس بريئاً مستهدفاً بل مشتبه به فُتحت ملفاته في ثلاث دول غربية لا يقارن قضاؤها بقضائنا. هو ضرر على الموارنة وليس “آخر الرجال”، وليت الجهد البطريركي يتركز على بديلٍ يستعيد الثقة وينقذ أموال الناس.

غبطة البطريرك، أعطيتَ بركتك للشباب وثورة المواطنية. وبتبنيك مطالبهم وسعيك الى حماية لبنان ودولته عبر مشروع “الحياد” تتابع سيرة “بطريرك الاستقلال الثاني” وكبار البطاركة الموارنة الذين تركوا بصمات في تاريخ لبنان. نفهم هواجس التوازن وإدراكك سوء نيات أهل المنظومة المطالبين بـ”تطيير” سلامة، لكن يعزُّ علينا أن يُفهم من مطالبتك بالمساواة حماية نظامٍ مصرفي خان الأمانة ومايسترو مخادع محلُّه خلف القضبان.