
خاص – كيف تحوّل المسيحيّون إلى.. معطّلين؟
ما أصدق “بيك المختارة” و”أستاذ عين التينة” حين يتّهمان الموارنة بعرقلة الانتخابات الرئاسية، متسبّبين باستمرار الشغور في قصر بعبدا وإطالة عمر الأزمة. فقد اعتاد “الحليفان التاريخيان”، على مدى عقود من الاحتلال السوري للبنان، على نوع معيّن من الموارنة “المَرِنين” الذين لا يعقّدون الأمور، ولا يرفضون طلبًا لأولياء نعمتهم، علّهم يبقون من المحظيين لدى أسد دمشق وأزلامه في بيروت.
الرئيس نبيه بري والزعيم وليد جنبلاط على حق، لأنهما غير معتادَين على وجود الرأي والرأي الآخر كل في طائفته، لأن لا رأي آخر أصلًا في الطائفتين: فالأول يختصر الطائفة الشيعية مع شريكه في حكم الطائفة والبلد “حزب الله”. أما الثاني، فهو طائفته كلها بمشايخها وسياسييها ورجال أعمالها. ولا يقتصر الأمر على ذلك، بل أن الرجلين كانا يضعان أيديهما على مقاعد النواب المسيحيين في مناطقهما دون حسيب أو رقيب، وهو ما سبّب نقمة عارمة لديهما على قانون الانتخاب الجديد الذي حسّن التمثيل المسيحي في جميع المناطق. عندها كان المسيحيون “ممتازين”، أما اليوم، عندما بدأوا يطالبون بحقوقهم في من يمثلهم في المركز الأول في الدولة، اصبحوا مسؤولين عن التعطيل!
أكثر من ذلك، وللتذكير فقط، لعلّ الذكرى تنفع المؤمنين، ماذا فعل وليد بك في الانتخابات الأخيرة لمنع دخول طلال أرسلان ووئام وهاب الى البرلمان؟ استنفر طائفته كلها، حتى نجح عن جدارة في الاستحواذ على التمثيل الدرزي في السلطة، قاطعًا الطريق على أي خصم محتمَل. وللتذكير أيضا: ماذا فعل نبيه بري و”شريكه” بالمرشّحين الشيعة المعارضين أثناء الحملات الانتخابية الأخيرة، حتى طال الترهيب عائلات المرشحين وأقربائهم.
أكثر من ذلك: ماذا كان الرئيس بري ليفعل لو أن مرشّحا شيعيًا (حتى لو كان مواليا له) تجرأ وترشّح ضده في انتخابات رئاسة مجلس النواب الأخيرة التي فاز فيها بشق الأنفس؟ ماذا كان ليحدث لو أن اللواء جميل السيد مثلا تجرأ في حينه على خوض غمار هذه التجربة “الديمقراطية”؟
مشكلة المسيحيين أيها “الحليفان” أنهم ديمقراطيون فعلا في بلد لا يعرف من الديمقراطية إلا اسمها. وبدل ان تنتقل عدوى “الديمقراطية المسيحية” الى الطوائف الأخرى، يسعى الآخرون جاهدين بتصرفاتهم المستفزة الى دفع المسيحيين مرغَمين الى نموذج الأحادية المعتمَد في الطوائئف الأخرى، باستثناء الطائئفة السنّية مؤخرا بسبب غياب الرئيس سعد الحريري القسري، وحتى إشعار آخر، عن الساحة السياسية.
مشكلة المسيحيين يا “أستاذ عين التينة” أنك لم تقتنع بعد أنك لم تعد تستطيع أن تفرض على المسيحيين رئيسًا لديه نائب واحد في البرلمان، فقط لأنه حليفك ومن أركان “محور الممانعة” الذي تنتمي إليه.
مشكلة المسيحيين يا “بيك المختارة” أن “حزب الله” القابض على الدولة بسلاحه وإرهابه لا يمكنه أن يفرض على المسيحيين رئيسًا بسبب تحالفه مع بعض “الذميين” الطامعين بكرسي بعبدا، بعدما دمّروا الكرسي والقصر والجمهورية بسببهذا التحالف من جهة، ومن جهة ثانية بسبب أطماعهم الشخصية وشهوتهم غير المحدودة الى السلطة والمنافع، حتى بات كبيرهم أكبر المعاقَبين أميركيا بتهم الفساد في لبنان.
لا يا وليد بك، المشكلة ليست عند المسيحيين. المشكلة الحقيقية هي عند حليفك وحليفه اللذَين يريدان وضع اليد رسميًا على البلاد بعدما وضعا أيديهما عليها بقوة السلاح والأمر الواقع. والمشكلة الحقيقية أيضا هي عندما تسايرهم، أنت وغيرك من السياسيين، هربًا من مشكلة قد لا تقع اليوم، لكنها واقعة غدا بالتأكيد. سياسة الهروب الى الأمام لم تعد تجدي يا وليد بك. فأما تكون جمهورية للجميع وتتسع للجميع، أو فلنبحث عن صيغة أخرى تضمن لكل فئة من اللبنانيين حقوقها وتؤمن لها المستقبل الذي تريده بعيدا عن طموحات الآخرين ومشاريعهم الإقليمية الكبرى.
