خاص- الدومينو اللبناني

خاص- الدومينو اللبناني

الكاتب: نور الحاج | المصدر: Beirut24 | التاريخ: أغسطس 30, 2022
30 آب 2022

ماذا لو أجرينا استطلاعًا  لمعرفة ما هو السؤال الأكثر ترددًا على لسان اللبنانيين؟ الجواب سهل…  الى متى؟ ما الأسوأ؟ هل تعود “أيام الألف وخمسمائة”؟

فالأزمة الاقتصادية والمعيشية التي يزعم البعض أنها بدأت “بسبب الثورة اللبنانية” على الرغم من وجود دوافع عدة حينها أشارت الى حدوثها قبل بداية الانتفاضة، تنهك قوى الشعب اللبناني. هذا الشعب الذي لا يزال متمسكًا بعيش الحياة. الحياة كما فرضتها الظروف، للأسف دون أن ينتفض.

غير أن الأزمة الآن لم تعد مجرد ضائقة اقتصادية نعاني منها لفترة معينة يصار بعدها الى تطبيق اصلاحات تعيد نهوض البلاد. فنحن لا ندور في حلقةٍ مفرغة بما أن “الحلقة” اللبنانية لا تخلو من الاختصاصيين وذوي الخبرة الذين يحاولون اقتراح حلول… لكن… ما الجدوى؟ من يعيرهم أذنًا صاغية؟ نحن نعيش حالة الـ”دومينو”… “دومينو” الانهيار اللبناني.

فكل قطاع ينهار بسبب انهيار آخر ويتسببب بانهيار آخر. فانهيار القطاع المصرفي لا سيما قيمة العملة الوطنية  أدى الى تدهور الوضع الاقتصادي برمته والذي تتجلى أبرز مظاهره بارتفع اسعار المحروقات التي أصبحت في الفترة الأخيرة تتغير كالذي يعاني من تقلبات في المزاج. وانهيار قطاع المحروقات، على سبيل المثال، جعل قطاع الكهرباء الذي لطالما لم يعول عليه الشعب اللبناني ينحدر نحو الأسوأ. وبالتالي، من الطبيعي أن نشهد موجة إضرابات واعتكافات تزيد الوضع سوءًا : فالقطاع التربوي والمصرفي والقضائي والقطاع العام بالاجمال يشهد اضرابات مستمرة.

يضربون… يطالبون… يَسكتون أو يُسكّتون…

وهكذا دواليك… إذ بات العام الدراسي الجديد بعيًدا عن البداية وقروض الاسكان صعبة المنال وقائمة الادوية المفقودة تطول وتطول. أما الأمل فيقصر… والغضب يكبر… والظواهر الاجتماعية تتوالد.

ربما تكون الظاهرة الأخيرة هي اقتحام المودع بسام الشيخ حسين “الفدرال بنك” وتهديد الموظفين والزبائن ومطالبته بنيل أمواله كافة على الفور. فالمرحلة الراهنة بعيدة عن المنطق كل البعد، فكيف للشعب اللبناني ألا يبتعد هو أيضًا عن المنطق ويعيش العبث؟

ما النتيجة المباشرة لهذا الانحدار؟ انهيار القيم في المجتمع اللبناني وانسياقه نحو أدنى مستويات القيمة الانسانية. غير أنه إذا نظرنا بعمق نفهم أن أزمة القيم ليست بنتيجٍة أنما هي السبب، هي الحجر الأول… هي أول ما انهار.

فلولا انهيار القيم لما سُرقت شتى ادارات الدولة المفلسة ولما استفاد بعض التجار من الأزمة لتخزين البضائع والتذرع بأنهم “اشتروها على الغالي” وبالتالي بيعها بأغلى الأسعار. لولا انهيار القيم لدى الطبقة السياسية الحاكمة لما كانت قد تجرأت أن ترشح نفسها مرًة جديدة للانتخابات النيابية وتستمر بصفقاتها ومحاصصاتها وألاعيبها التي باتت مكشوفة للعيان، غير أنه وللأسف غابت عن نظر البعض الذي بقي غارقًا بمصالحه الضيقة أو مشاعره الدفينة فانتخب كما يقول المثل اللبناني “متل العادة يا ابو سعادة ” وكأنه يقول للمجتمع الدولي “لعبة الدومينو لا تعنيني”.

وعندما نذكر لعبة “الدومينو” يراود  فكرنا مشهٌد بات معهودًا: طفٌل قد نسق له أبوه أو أخوه الحجارة واحدة تلو الأخرى، فيأخذ ينظر اليها ويتأملها والبريق في عينيه ويستعد لدفع أول حجر… فيدفعه وتسقط كل الاحجار التالية، فترى ضحكته تملأ المكان.

لكن الوضع اللبناني لا يشبه هذا المشهد البتة. يكفي أن نرى دموع الامهات على المطار وطوابير الخبز وجهوزية اللبناني الدائمة لاستباق الأزمات كي نفهم أن الحالة اللبنانية على الرغم من أنها “لعبة” لكنها “لعبة غير لطيفة” لا بل “غير انسانية”. فمن نسق الحجارة ومن قرر تراتبها؟ من دفعها للسقوط ولماذا؟ من يشاهد ذلك “العرض المحترف”؟ ومن يتحمل عواقبه وبأي ثمن؟