خاص – ١٧ تشرين: روحٌ لا تموت… وقد لا تعود

خاص – ١٧ تشرين: روحٌ لا تموت… وقد لا تعود

الكاتب: نور الحاج | المصدر: Beirut 24 | التاريخ: أكتوبر 17, 2022
17 تشرين الأول 2022

مر زمنٌ على تاريخ لبنان من دون انجازات… هذا التاريخ الذي يأبى السياسيون تحديثه خوفًا من انكشاف اعمالهم المفضوحة وسعيًا الى طمس الحقائق ومحو الذاكرة الجماعية… كالعادة.

ولقد اعتدنا رؤية السيناريو عينه عند وقوع أي نكسة أمنية أو سياسية في الوضع اللبناني: المسبب الذي يتنصّل من تحمّل المسؤولية ويحاول تغيير مجرى الاحداث أو إخفاءها في حال كان لا مجال للتلاعب بالرأي العام في شأنها، المعارضون الذين إما يرفضون فعلًا ما حصل وينتفضون انطلاقًا من حسهم الوطني وضميرهم الحي أو يحتجون بدافع المناكفة وإظهار ضعف الفريق المسبب، والمؤيدون… لا غرابة في الأمر… ثمة من يؤيد بعض الاخطاء الفادحة والمجازر فيجد دائمًا ما يبرر أعمال قادته.

غير أن ثورة ١٧ تشرين الاول ٢٠١٩ قد كسرت القاعدة ولأول مرة منذ زمن… ففي “ليلة ما فيا ضو قمر”، كما يقول بعض المتهكّمين، اشتعلت شوارع لبنان بالإطارات وأقفلت الطرقات احتجاجًا على زيادة تعرفة الـ”Whatsapp” … لا بل على الوضع المعيشي والسياسي المزري والاقطاعية السياسية والاوليغارشية القائمة. فمن يظن أن ثورة ١٧ تشرين قائمة على زيادة التعرفة يكون قد أخطأ في قراءة الاحداث أو يستخف في مجراها للنيل من أهمية هذه الانتفاضة.

ولو كثرت الاجتهادات حول تصنيفات هذا التحرك ما بين ثورة أو انتفاضة أو حراك علمًا أن لكل تسميةٍ بعدًا… يبقى وقع هذا الاخير عينه: لقد أحدث تغييرًا ورسم مشاهد جديدةً اشتاق اليها الشارع اللبناني… أيقظ ضمائر البعض وحرك كرامة البعض الآخر. ثورة ١٧ تشرين أحيت الشارع اللبناني وأيقظته من نومه صارخةً به:” يكفي خمولًا… يكفي استسلامًا وخضوعًا… يكفي قبولًا بالأمر الواقع”.

لكن وكما في أي مجتمع وأمام أي محاولة تغيير يرتعد المحافظون منه فيحاربونه بشتى الوسائل: الأخبار الكاذبة، اختلاق السيناريوهات، التلاعب بالمعطيات، التغطيات المنحازة… وربما يكون أبرز سلاح والاقوى في يد هؤلاء: التخوين. وكم شهدنا استعمال هذا الاسلوب على مواقع التواصل الاجتماعي خلال الثورة ما بين اتهام المنتفضين بالعمالة الى الخارج وزعزعة السلم الاهلي. والدولة أمام هذه الظواهر تبتسم وترتاح.

أما لبنان فوضعه هو الاصعب… المحافظون يعبدون قادتهم فلا يرفضون التغيير وحسب، ولا يرفضون أي تغيير، بل ذاك الذي يتعرض لإلههم. هم لا يمانعون تغيير الخصم والتعرض له شرط أن يبقى عرش زعيمهم مصانًا. ولتعدد القادة والزعماء، تشتت المجتمع اللبناني أكثر فأكثر وانقسم نضاله وبالتالي انتفاضته فلم يعد شعار الثورة “كلن يعني كلن” يشمل الجميع، بل اصبح، وحسب الفريق، يستثني هذا الزعيم أو ذاك.

فكيف لثورة ١٧ تشرين أن تحيا عندما يموت الاتفاق في الاوساط الشعبية؟ اليس هذا الامر عينه ما سعى ويسعى اليه السياسيون على الدوام؟ وهل أخطأ مثل “فرّق تسد”؟

أين أنتِ يا ثورة ١٧ تشرين اليوم؟ أين نحن من روح الثورة والانتفاضة؟ ها إننا نشهد اقتحامات لمصارف اسبوعيًا ومحاولات انتحار كما اعتكافات واضرابات في شتى القطاعات من دون أن تتعمم هذه التحركات على المجتمع ككل فتبقى المحاولات محدودة وسهلة الافشال.

ولمَ لا ينتفض الشعب اللبناني علمًا أن الدوافع باتت أكبر وأكثر جدية؟ ربما لن نجد جوابًا على هذا التساؤل… وقد يبقى تساؤلًا الى الابد. فهل خوفًا من تردّي الاوضاع أكثر مما هي عليه الآن؟ أو تحضيرًا لانفجار أكبر في المستقبل؟ أو لأن الثورة ليست الحل في الوقت الراهن؟

الاحتمالات كثيرة والارجحيات تختلف حسب الفرضية لكن على أي حال تبيّن أن ثورة ١٧ تشرين لم تكن حلمًا…

فحلم ١٧ تشرين حوّله انقسام الداخل والمواجهات الشعبية وشغب بعض الجماعات الى كابوس سارعت القوى الامنية الى تطويقه.

لكن خلف ١٧ تشرين نوايا البعض الحسنة وحسّهم المسؤول… فخلف ١٧ تشرين رفضٌ للخضوع والهروب وحب المواجهة… خلفها ليست صورة لبنان طائر الفنيق الذي يحترق وينبعث من رماده، إنما الطائر الذي يأبى الاحتراق ويريد أن يحلّق في الفضاء الشاسع عاليًا.