خاص- الشغور الرئاسي: نوايا ونفوس فارغة

خاص- الشغور الرئاسي: نوايا ونفوس فارغة

الكاتب: نور الحاج | المصدر: Beirut 24 | التاريخ: نوفمبر 8, 2022
8 تشرين الثاني 2022

منذ أسبوع اقفل قصر بعبدا… انزل العلم اللبناني ورحل الرئيس…

منذ أسبوع، دخل لبنان مرحلة الفراغ، وربما يكون أفضل لو قلنا إنه دخل في مرحلة الشغور، ذلك لأن مركز رئاسة الجمهورية لطالما كان فارغًا منذ سنين تخطت حتى “العهد القوي” وتخطت عهد الرئيس السابق ميشال سليمان. لبنان يعيش فراغًا منذ زمن… منذ فراغ القوى السياسية من أي حس بالمسؤولية وتخليهم عن المبادئ الأخلاقية الأساسية لممارسة العمل السياسي.

رحيلهم كبقائهم: فالكرسي الرئاسي من دون قاعدة، دون صلاحيات. غير أن فقدان الرئيس جزءًا من صلاحياته لا يبرر له لا مبالاته إزاء تدهور الوضعين الاقتصادي والاجتماعي ولا يلغي مسؤوليته تجاه المواطنين أو يجعلهم مجبرين على القبول بالأمر الواقع.

والمشهد الإعلامي اليوم خير دليل على الفراغ الأخلاقي الذي نعيشه: مقابلة تلو الأخرى وسياسي تلو الآخر: جميعهم يعبرون عن مواقفهم وخيارات كتلهم. يعرضون الموقف دون أن يعني هذا الأخير شيئًا: فعلى أي أساس ووفقًا لأي منطق تسجل كلٌّ من الكتل النيابية مواقفها واستنادًا الى أي تحليل تؤيد هذا المرشح أو ذاك… لا نعلم. بذلك، يبقى الموقف موقفًا فيتحول الاستحقاق الرئاسي الى سجالٍ لا جدوى منه سوى توطيد صورة لبنان المقسوم طائفيًا والمشرذم مناطقيًا.

ولقد اعتادت القوى السياسية على تسجيل المواقف داخل المجلس النيابي كونها تعشق الاستعراض: فهي تعطل النصاب أو تنسحب من الجلسة أو تعلن عدم حضورها… كثيرةٌ هي المظاهر والاستعراضات التي تتباهى بها الكتل النيابية “المسؤولة” عند اقتراب موعد اتخاذ أي قرارٍ جدي يتعلق بمصلحة البلاد. والاستعراض صديق السطحية وعدو العمق… ها هو الفراغ الأكبر: الحياة السياسية في لبنان اشتاقت الى العمق: العمق في التفكير والأخلاق والثقافة.

فالـ”مسرح النيابي” كون ذلك المكان لم يعد يمت للمجلس بصلة لم يخرج بأي رئيس حتى الآن على الرغم من تتالي الجلسات المخصصة لانتخابه. على أي حال، بيدو أن البرلمان لم يعد مهتمًا بتأدية مهمته الأساسية التشريعية الانقاذية بل تمرس بفن الاتهامات والتأجيل والمناكفات. من هنا، لم نستغرب فكرة الفراغ، لا بل اعتدنا عليها حتى أصبح البعض يعتقد أن الشغور أفضل من فترات الحكم.

وكثيرةٌ هي التحاليل السياسية التي تؤكد على أن التاريخ السياسي اللبناني سيعيد نفسه مرةً أخرى وأن الفراغ لن يكون قصيرًا، بل كالعادة سوف يعطل الحياة السياسية أكثر مما هي معطلة ويجعلها تلفظ أنفاسها الأخيرة. فلمَ لم نتوصل الى أي نتيجة في هذا الملف؟ أهو نقصٌ في الجدية وانعدامٌ للكفاءة؟ أهو عجزٌ للوصول الى “صيغة مشتركة” أو “رئيس توافقي” ؟ أهو تأثير الخارج وسعيه الى تأمين مصالحه في لبنان؟

في محاولةٍ  لإيجاد إجابات على هذه الأسئلة، نستنتج أن الفراغ لا بد منه في ظل تركيبة سياسية “تعطيلية” تتغير بضعًا من ملامحها في كل انتخابات نيابية غير أن الجوهر واحد: برلمان مؤلف من كتل لا تريد التفاهم لأن لكل واحدةٍ منها ظاهريًا نظرة سياسية وهوية مختلفة للبنان وباطنيًا مصالح ضيقة ومكاسب تريد الدفاع عنها بشراسة وذلك على حساب الوطن والمواطن، على حساب القيم والأخلاق والمصلحة الوطنية العليا.

غير أن الساحة السياسية تصور الكتل البرلمانية منهمكة باختيار الرئيس “الأفضل” والدفاع عنه في الجلسات وخارجها في الاعلام. حتى ما يسميه البعض بـ”فريق الموالاة” فهو أيضًا لا يكف عن الحديث بالملف الرئاسي وانتقاد مرشح المعارضة وتقديم البدائل. بذلك، ترتفع حظوظ البعض وتنخفض حظوظ الآخرين فيما تكثر الأحاديث والتحاليل والتوقعات في الوقت الذي تبدو فيه النتيجة واحدة وحتمية: المرحلة مرحلة أحاديث وكلام فارغ والرئيس بعيد وصعب المنال.

أما المواطن اللبناني، وسط هذا العبث الذي بات معتادًا عليه، فكأنه لم يعد ينتظر شيئًا، بل يكمل سير حياته كأن لا استحقاق ولا رئيس منتظر… لا عجب في ذلك، ففراغ الكرسي الذي يعكس فراغ نفوس المسؤولين فرّغ حياة اللبناني من أي أمل بقائدٍ أفضل.