أسوأ حالات العدالة فرار السجناء…هل تتحول الظاهرة إلى مشهد بوليسي عادي؟

أسوأ حالات العدالة فرار السجناء…هل تتحول الظاهرة إلى مشهد بوليسي عادي؟

المصدر: المركزية
11 تشرين الثاني 2022

بعدما كان خبر فرار موقوفين من سجون ونظارات ومراكز الإحتجاز الإحتياطي محطة غير إعتيادية في نشرات الأخبار وحياة اللبنانيين عموما، تحول منذ حوالى العام إلى ظاهرة أكثر من إعتيادية بحيث يكاد لا يمر أسبوع أو أكثر إلا ويتصدر المشهد خبر فرار سجناء أو موقوفين ما يستدعي استنفار الأجهزة الأمنية بكل قطاعاتها من دون ان تتمكن مرة من القبض على الفارين جميعا.

أسباب تفشي ظاهرة فرار السجناء عديدة منها سياسية، إقتصادية، إجتماعية، قضائية وفي بعض الأحيان التراخي الأمني. واللافت أن على رغم تفشي هذه الظاهرة إلا أن أياً من التدابير الإحترازية لم تُتّخذ والدليل أن عمليات الفرار التي كانت تقتصر على موقوفين لا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة باتت تشمل مجموعات مما يؤكد وجود إما ثغرات أمنية أو استسهال في عمليات الحماية أو خرق أمني ما وتواطؤ من قبل بعض العناصر الأمنية.

آخر فصول الظاهرة حصلت يوم الأربعاء الماضي مع فرار 18 سجينا ومحكوماً بجرائم قتل ومخدرات وتهريب من سجن أميون في الكورة. وكما العادة فور شيوع الخبر انتشرت عناصر من الأجهزة الامنية وقوى الأمن الداخلي في العديد من المناطق المحيطة بالسجن ، في حين شددت الحواجز التابعة للجيش اللبناني في منطقة دير عمار المؤدية الى عكار من اجراءاتها الأمنية، وعمدت إلى تفتيش السيارات وإقامة حواجز في المناطق التي يتحدّر منها الفارون. وقد تم توقيف ستة منهم والتحقيق جار بإشراف القضاء المختص للوقوف على ظروف فرارهم من سجن “أميون”.

تفشي ظاهرة فرار السجناء بدأت بهروب 32 موقوفاً من نظارة التوقيف في منطقة العدلية ، مطلع شهر آب الماضي، تبعها فرار 10 موقوفين بتهم مختلفة منها السرقة والاتجار بالمخدرات من سجن حسبة صيدا في جنوب لبنان في أيلول ، و6 موقوفين في الشهر نفسه من سجن فصيلة اهدن. ومنذ حوالى الشهر تمكّن 19 موقوفاً من الهرب من نظارة سراي جونية، كل ذلك وسط غموض عن نشر أي معلومات حول الأسباب والطريقة التي اعتمدها الفارون في عملياتهم.

قد يكون التكتم من ضرورات العمل الأمني، لكن ما ليس خافيا على أحد أن واقع السجون في لبنان يشكل الحافز الأول لهروب المساجين وفق مصادر حقوقية تلفت عبر “المركزية” إلى أن مسألة افتقاد السجون لأدنى متطلبات الحياة الكريمة دفعت بغالبية المحكومين إلى ابتكار أساليب ووضع خطط بالتنسيق مع بعض العناصر الأمنية وذلك مقابل مبالغ مالية. أضف إلى ذلك عدم قدرة ادارات السجون على تأمين متطلبات السجناء من مأكل وطبابة وأدوية بعدما توقف عدد من الجمعيات الخيرية عن تقديم وجبات الطعام اليومية أو الاسبوعية للمساجين، ومنع الأهالي أو ربما عدم تمكنهم من زيارة أبنائهم في السجون الا مرة واحدة في الشهر بسبب الوضع الاقتصادي والحالة الاجتماعية.

عمليا توضح المصادر الحقوقية إلى أن نظارات التوقيف والاحتجاز الموقت تحولت إلى سجون علما أنها مجهزة لاحتجاز السجناء لمدة يومين أو ثلاثة على أبعد تقدير. إلى ذلك هناك نقص في الخبرة لدى العناصر الأمنية الموجودة داخل المخافر بحيث أنها مهيأة للعمل الإداري وليس الأمني. وتشير استطرادا إلى النقص في عديد عناصر قوى الأمن بسبب التقاعد وفرار العديد نتيجة الوضع الإقتصادي والمعيشي.

تبقى المعضلة القضائية وهي الأساس، إذ تتفرع منها أزمة الإكتظاظ في السجون ومراكز التوقيف جرّاء اعتكاف القضاة وامتناعهم عن البت بطلبات إخلاء سبيل الموقوفين، والإحجام أيضاً عن توقيع مذكرات الإفراج عمّن أنهوا مدّة العقوبة، مما ساهم في تفاقم الأزمة.

رئيس لجنة حقوق الإنسان النائب ميشال موسى يعتبر أن أسوأ حالات العدالة تتمثل في هروب السجناء ويرد أسباب تفشي ظاهرة فرار السجناء إلى الإكتظاظ داخل السجون وعدم الإسراع في البت بالمحاكمات وإصدار القرارات القضائية نتيجة اعتكاف القضاة. لكن لا شيء يبرر ذلك.ويضيف عبر “المركزية” “على القوى الأمنية أخذ التدابير اللازمة والتشدد في تأمين الحراسة لمنع تحول هذه الظاهرة إلى جزء من يوميات اللبنانيين”.

ومع تراجع الآمال بإقرار قانون العفو العام الذي ينتظره السجناء، يتعلق السجناء بوعود أطلقها وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال بسام المولوي، بتخفيض السنة السجنيّة إلى ستّة أشهر بدلا من تسعة وبتمرير هذا القانون فور الانتهاء من إقرار قانون الموازنة العامة. ومع انعدام المؤشرات الإيجابية يبقى التعويل على العناصر الأمنية والتعالي على كل الظروف غير العادية وإلا تتحول صباحات اللبنانيين إلى كابوس ويومياتهم إلى مشاهد بوليسية حية!.