رفع سعر الدولار لتغطية الإطاحة بالتحقيق

رفع سعر الدولار لتغطية الإطاحة بالتحقيق

الكاتب: غسان حجار | المصدر: النهار
28 كانون الثاني 2023

ثمة تواطؤ بين قوى المنظومة السياسية والقضائية والمالية والأمنية التي تعيد إحياء نفسها وتضمن الحماية لاستمرارها، بعد تثبيت وجودها في الانتخابات النيابية الاخيرة. فهي لا يهمّها بقاء البلد، وقيام الوطن، رغم كل ما يتردد على ألسنة المسؤولين الذين يديرون الشأن العام بمنطق النكايات وتحقيق المنافع الخاصة والاستمرار في السلطة وضمان التوريث، وايضا إرضاء بعض الخارج.

ما حصل في الأيام الأخيرة ليس أمراً عادياً، بل هو الإطاحة بالتحقيق في انفجار المرفأ، بتواطؤ الجميع، في الداخل والخارج.

المحقق العدلي في الملف القاضي طارق البيطار، المكفوف اليد من بعض السلطة القضائية التي دخلت في شلل وتفكك، لن يتمكن من إكمال عمله وإصدار القرار الظني في جريمة انفجار أو تفجير المرفأ. حتى الإهمال الوظيفي المُراد تسويقه سقط بإطلاق الموقوفين الذين دارت حولهم بعض الشبهات في غياب محاكمة عادلة.

ومن دون مثول الأشخاص الذين ادّعى عليهم البيطار، من سياسيين وقضاة وأمنيين، لن يكون ممكناً إكمال التحقيق، ومن دون تصويب الأمور لدى البيطار نفسه، لن يكون التحقيق موثوقاً به ومقبولاً وعادلاً.

دول الخارج المؤثّرة في لبنان، تواطأت مع السلطة من أجل طمس التحقيق، فلم تبادر أساساً الى تقديم معلومات من الأقمار الاصطناعية التي تدور في فلك المنطقة وتراقب لبنان.

المعلومات التي وردت من روسيا لم يتم الكشف عنها. الأميركيون والفرنسيون، والاسرائيليون، لم يكشفوا عما لديهم من معلومات وصور، حتى الجيش اللبناني و”حزب الله” لم يعلنا عن رصد طيران اسرائيلي استهدف المرفأ من عدمه. الأمر الذي ضاعف الشكوك حول “هوية” النيترات التي دخلت المرفأ في ظروف غامضة، وحول الكميات التي خرجت من العنبر من دون قرار قضائي أو عسكري، ووجهتها، والمسؤولين عن نقلها وإخراجها من دون قيود، وتحديداً مسؤولية الجيش حيال هذا الأمر، خصوصاً أنه لم يتم شمول قائد الجيش الحالي ومدير المخابرات بطلب المثول أمام التحقيق، علماً أن المؤسسة العسكرية هي المسؤولة الأولى عن كل ما يتعلق بمواد متفجرة.

وبعدم إكمال التحقيق ومحاصرة البيطار، يكون بعض القضاة قد أنقذوا أنفسهم، رغم تعريضهم القضاء كله للشلل، ولضرب السمعة، لأنهم في دائرة الشبهات أصلا. ويكون الأمنيون أنقذوا أنفسهم ومواقعهم وضمنوا حسن العلاقة مع الخارج القريب والبعيد، خصوصاً أن بعضهم مرشح الى مواقع عليا، والبعض يريد التجديد والتمديد، والآخر يريد الحماية للاستمرار بعدما فقد بعضا من غطاء سياسي. وما “صفقة” السفر السريع والمدبّر للمدعو محمد زياد العوف، رغم قرار منع السفر، ومن دون أي تعليق رسمي سياسي أو قضائي أو أمني، إلا خير دليل على هذا التواطؤ الضمني.

في خلاصة الأمر، ان التحقيق في انفجار المرفأ سقط بالضربة السياسية القاتلة، وقد تحيّن المعنيون، المشكوك فيهم، اللحظة المناسبة لعقد الصفقة المناسبة ما بين الداخل والخارج الذي لا يريد الحقيقة أيضاً، ولن تنفع أي محاولات أو دعوات لاطلاق تحقيق دولي في هذا المجال، إذ إن تجربة المحكمة الخاصة بلبنان للتحقيق في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، جاءت مخيّبة للآمال، وقد دخلت في بازار السياسة الدولية. والسبب الثاني أن لا تمويل ولا ممولين لمحكمة جديدة، بعدما تعثّر تمويل الأولى.

وفي المشهد أيضاً، أن بعض تحركات الشارع المفتعلة، وارتفاع سعر صرف الدولار مع المواد الحياتية، يدخلان في إطار إلهاء الناس عن مسار إسقاط التحقيق، ودفعهم الى انشغالات أخرى كما يحصل دائماً. وبذا تتأكد المؤامرة بتواطؤ معظم أطراف الداخل، وبرعاية السفارات الأجنبية.