كيف يبرر “حزب الله” إطلاقه خطاب التصعيد والتصلب أخيراً؟

كيف يبرر “حزب الله” إطلاقه خطاب التصعيد والتصلب أخيراً؟

الكاتب: ابراهيم بيرم | المصدر: النهار
6 شباط 2023

لاريب في ان “حزب الله” كان يستشعر تصاعد الضغوط الخارجية والداخلية عليه على نحو غير مسبوق، ليبادر الى الرد قبل ساعات على لسان رئيس كتلته النيابية وعضو شورى القرار فيه محمد رعد بخطاب انطوى على كمّ من الاصرار والتحدي واشهار الاستعداد للمواجهة والمنازلة، خصوصا عندما اكد في اطلالة خاصة له في الجنوب على:

– “ان اعداءنا يحاولون تحويل الاستحقاق الرئاسي الى منصة للإمساك برئيس للجمهورية ينفّذ سياساتهم ويستكمل مشروعهم”.

– النفي بحزم ان يكون الحزب هو “مَن يعطل البلد، فالذي يعطله هو من يضع يده على البلد بنقده ومصارفه وسياسته وحصاره وعقوباته”.

– تأكيد نظرية “التماهي والترابط” عندما يعلن “اننا على ثقة بان شعبنا لن يصرخ لانه شريك معنا في المعركة، كما اننا لسنا بمجموعة منفصلة عنه ونفرض ارادتنا عليه”.

– وبعد كل كلام التحدي هذا يقول بالفم الملآن: “مّن يُرد ان يصرخ فليصرخ حتى يشبع، فنحن مطمئنون الى ان شعبنا لن يصرخ”.

الثابت، بحسب المتصلين بدوائر القرار في الحزب، انه ما كان ليتخلى عن خطابه الهادىء نوعا ما والمركّز على الدعوة الى رئيس توافقي يطمئن الى انه “لن يغدر بالمقاومة” ويشرع في اطلاق “قفاز التحدي” في وجه كل الخصوم ويرفع درجة التحسس والاستنفار عنده من خلال رعد، إلا بعدما تيقن ضمناً من معلومات تفيد بان الضغوط التي تمارّس عليه يوميا من الداخل والخارج وتحاصره بكمّ من الاتهامات، ستأخذ منحى تصاعديا اكبر في قابل الايام إنفاذاً لما يعتبره “أمر عمليات” عنوانه العريض لا تتركوا للحزب وحلفائه فرصة التقاط الانفاس في معركة ملء الشغور الرئاسي برفع منسوب الضغط الى الحد الاقصى. وعليه، لم يكن كلام رعد على هذا القدر العالي من التحدي إلا بعدما تكوَّن لدى الحزب في الآونة الاخيرة انطباع بان الخصوم ماضون في امرين معا:

– رفع درجات الاتهام والمحاصرة بكل تلاوينها.

– إيصاد كل النوافذ التي يمكن ان يستشفّ منها الحزب ان ثمة مجالا لأي تفاهم او حوار معه، ووضعه امام خيارين فقط: إما ان يقبل مرغما بالمرشح الجدي الذي يعلم والذي أعدّ له المسرح منذ زمن بعيد، وهو ما يعني تنازله نهائيا عن اوراق السيطرة في اللعبة اللبنانية، وإما ان يتوقع المزيد من الهجمات والضربات عبر المزيد من الوان الحصار.

وضمن هذه الوقائع، ثمة من يرى ان كلام رعد المنطوي على هذا القدر من التصلب انما أتى لينهي صلاحية كلام اكثر مرونة وسلاسة سبق للحزب ان اطلقه على مدى الاشهر الستة الماضية على لسان سيده السيد حسن نصرالله وظهر في فلتات ألسن قادة آخرين، واستطرادا أتى ليطوي مرحلة ويأذن بفتح مرحلة اخرى من مقاربة الملف الرئاسي وما يتصل به. وبمعنى آخر يعلن الحزب ان ما بعد كلام رعد هو غير ما قبله.

والاكيد ان ثمة معطيات ووقائع تكونت تدريجا لدى الحزب خلال الاشهر الستة المنصرمة دفعته الى انتهاج خط التصلب والتحدي، ومن ابرزها:

تيقنُ الحزب ان الفريق الآخر لم يبدِ اي استعداد لملاقاته وحلفائه في منطقة وسطى، واستتباعا لم يجد الحزب اي تنازل من هؤلاء عن المرشح الواحد الذي اختاره وأعدّه على رغم انه قدّم مرشحا آخر للمناورة بدليل انه عاد وسحبه من التداول بعدما اعلن الأفرقاء المعنيون تخليهم عنه واحدا تلو آخر. وكل هذا يعزز نظرية الحزب المبدئية وهي ان كل الخصوم تجمّعوا على مرشح واحد وأعدّوا له المسرح ليعبر.

– ان الحزب في المقابل يعتبر انه خلال الاشهر الماضية تيقَّن من ان اوراق الدعم وعوامل القوة التي يستند اليها في معركته هي متينة كفاية بدليل ان المرشح الذي يدعمه الحزب زعيم “تيار المردة” سليمان فرنجية ظل مثابرا في ترشيحه ولم يتراجع امام ما أشاعه الآخرون من انه يخوض معركة خاسرة لانه لا يملك ما يضمن له تحقيق حلمه بالوصول الى قصر بعبدا.

– يضاف الى ذلك ان رئيس مجلس النواب نبيه بري لم يعطِ اي اشارة الى انه في وارد الاستعداد لفتح بازار للمساومة في اللحظة الحاسمة بل اظهر انه اكثر تصلبا واكثر تمسكا بفرنجية حتى بعدما حمل اليه حليفه وليد جنبلاط عرضا جديا بدا مغريا تحت عنوان البحث عن تسوية تخرج الجميع من عنق زجاجة الازمة، إذ إن بري ليس من النوع الذي تغريه لعبة الثلاثة اسماء لانه يعرف ان المطلوب اسم واحد، ورفضه كان سريعا عندما سرّب للاعلام انه ابلغ الى ضيفه ان لا مجال لأي تعديل يفتح الباب امام قائد الجيش.

– ان جنبلاط نفسه عاد وكشف انه انطلق في حراك، وهو ليس في وارد الوصول الى مرحلة تصادم مع “حزب الله” حيال ملف الرئاسة، فبدا كأنه يقول لمن يعنيهم الامر لا تحرجوني اكثر فقد أدّيت ما هو مطلوب مني ولم يعد باليد حيلة.

– والاكيد ان ثمة عاملا آخر يأخذه الحزب في الاعتبار ويتجسد بعدم تماسك جبهة الخصوم حيال مرشحيهم المحتملين لملء الشغور الرئاسي، لاسيما بعدما ظهر المرشح ميشال معوض وهو يدين الذين تخلّوا عنه وفي مقدمهم جنبلاط.

– كما ان الحزب ايقن بان فرنسا التي سعت منذ البداية لتقبض على اوراق اللعبة وتبادر الى فرض تسوية رئاسية قد اصيبت بخيبة امل. فالحزب يستشرف بناء على معطيات ان اللقاء الخماسي الذي سيعقد اليوم في باريس لن ينجح في تهيئة الظروف لفرض تسوية رئاسية لان الشركاء الاربعة الآخرين حساباتهم متناقضة وان واشنطن لم تعطهم الاذن بولوج جدي الى حل من شأنه اخراج الوضع اللبناني برمته من حال التخبط والحصار والانهيارات المتتالية.

ولا شك في ان الحزب يقيم في هذا الاطار على واقعة انه لو كان بإمكان المحور الغربي ان يفرض رئيسا على لبنان لما انتظر كل هذه الفترة، ولكان طرق الحديد وهو حامٍ. كما انه يعتقد انه لو اجتمعت كل دول العالم لتفرض رئيسا على لبنان فلن تستطيع اذا كان الحزب ومَن يوالونه سياسيا مصرّين على رفضه.