مطارات على مساحة لبنان… هل يسمح “حزب الله” بتشغيلها؟

مطارات على مساحة لبنان… هل يسمح “حزب الله” بتشغيلها؟

الكاتب: جاد فياض | المصدر: النهار
3 آذار 2023

كتب جاد فياض في “النهار”:

عزّز الكلام المتنامي عن الفيدرالية، أو اللامركزية الموسّعة، أو حتى التقسيم، الحديث عن انتشار مرافق ومؤسسات عامة وخاصة على مساحة البلاد وفي مناطق مختلفة، قد تكون بشكل أو بآخر مؤسسات بديلة أو رديفة عن تلك المركزية، منها المطارات، التي كانت فكرة غير متبلورة في خضم الحرب الأهلية. علماً أن إنشاء عدة مطارات لا يعني بالضرورة استهدافاً للنظام بقدر ما يكون أحياناً تسهيلاً لحركة المسافرين، أو في القضية اللبنانية، التحرّر من قبضة “حزب الله” التي تحكم مطار بيروت الدولي، أمنياً، وإدارياً، وتهيمن على التعيينات في مختلف أجهزته.

هذه الثقة المفقودة داخلياً توازيها عدم ثقة خارجياً أيضاً، على ضوء التقارير الأمنية الغربية التي تتحدّث عن عمليات خاصة لـ”حزب الله” تتم عبر مطار بيروت. أمّا الشاهد الحق على هذا الكلام، أحداث 7 أيار التي افتعلها “الحزب”، والتي كانت أحد أسبابها ما اعتبره مسّاً بموقع قيادة جهاز أمن المطار، من دون أن يغفل عن بال اللبنانيين اختفاء جوزف صادر بطريقة غامضة، ولم يُعرف مصيره حتى الساعة.

في لبنان، ثمّة عدد من المطارات المنتشرة على مساحة البلاد، منها ما هو في الخدمة الفعلية، ومنها ما هو خارج الخدمة، وتحوّل إلى معلم سياحي. لعلّ أهمها مطار رينيه معوّض، أو مطار القليعات، الذي يملك بنية تحتية وجغرافية تخوّله لأن يكون مطاراً رسمياً شبيهاً بمطار بيروت الدولي، إلى جانب عدد من المطارات الأخرى، كمطاري رياق وحامات، وأخرى أصغر حجماً كانت تُستخدم لدواعٍ عسكرية خلال الحرب الأهلية، كمطاري بعذران والخيام.

ما هي المطارات الموجودة في لبنان؟

يشير مصدر عسكري سابق في القوات الجوية اللبنانية إلى أن “المطارات الثلاثة، رينيه معوّض (القليعات)، رياق وحامات تُستخدم من قبل الجيش اللبناني كمطارات عسكرية، ويُمكن لطائرات عسكرية الهبوط على مدارجها بغض النظر عن ضخامتها مبدئياً، خصوصاً مطار القليعات. وقد استخدمت هذه المطارات في الأمس القريب من قبل الطوافات العسكرية الأميركية”.

مطار القليعات – مطار الشهيد رينيه معوّض.

وفي حديث لـ”النهار”، يلفت المصدر العسكري إلى أن “عدّة عوائق تحول دون تحويل هذه المطارات العسكرية إلى مدنية، إلّا أن مطار القليعات هو الأفضل لتحقيق هذا الهدف، لأن مدارجه طويلة وتستوفي الشروط الدولية (3 كيلومترات)، ويُمكن للطائرات الضخمة، كبوينغ وإيرباص، الهبوط فيها”، وفي هذا الإطار، من الضروري التذكير بمشروع حكومي في العام 2012 لتحديث هذا المطار وتحويله إلى مدني، لكنّه لم يُطبّق.

لكنّ “المطار المذكور يحتاج إلى توسيع ساحاته التي لا تتّسع لأكثر من 10 طائرات في الوقت الحالي، كما يستوجب معدات تقنية، كرادارات، أجهزة مراقبة، أجهزة لهبوط الطائرت، تجديد الإنارة، واستحداث قاعات لاستقبال المسافرين، بالإضافة إلى تأمين مخازن للفيول، لأن الطائرات المدنية تحتاج إلى كميات أكبر مقارنة بتلك العسكرية، والمخازن الموجودة حالياً لا تكفي، إلى جانب إجراءات ترتيبية، كقص العشب وغيرها”.

ويشير المصدر إلى مطار ثانٍ لا يقل شأناً عن مطار القليعات، وهو مطار الخيام، ويقول: “إنّ مدرجاته طويلة، تزيد على 4 كيلومترات، ويُمكن تطويره ليدخل حيّز العمل، لكن من الضروري التذكير أنّه قريب من حدود لبنان الجنوبية، ومداه الجوي يصل إلى فلسطين المحتلة، (إسرائيل)، وبالتالي من غير الممكن تشغيله.

مطارات عسكرية من فترة الحرب

هذا الواقع لا ينطبق على مطاري حامات ورياق، فطول المدرّجات لا يتعدّى الكيلومتر ونصف، وهذا لا يكفي لهبوط الطائرات الكبيرة. كما أنهما غير قابلين للتحويل إلى مطارات مدنية، مع العلم أن مطار حامات كان عسكرياً، تم تشييده من قبل “الكتائب” في فترة الحرب.

أما وبالنسبة لمطار بعذران الذي بات معلماً سياحياً، تُشير المصادر إلى أن “المشكلة الرئيسية التي تمنع تحويله إلى مطار مدني تكمن في قصر طول مدرجاته، إذ لا يُمكن للطائرات الكبيرة الهبوط فيه، في حين أن ذلك ممكن بالنسبة للطائرات العسكرية، كالـC130، مذكّرةً بأن “الراحل كمال جنبلاط كان قد بدأ بتشييده لدواعٍ عسكرية في العام 1976، وعمل على استكمال أعماله رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط في فترة الحرب نفسها”.

مطار بعذران- الشوف

وبالنسبة لرُخص بناء المطارات، يقول المصدر العسكري إن “الرُخص لا تُمنح إلّا بعد تجهيز المطارات، وعند إتمام ذلك، يتم تقديم طلب، وفي حال كانت المواصفات مطابقة لتلك العالمية، يتم منح الرخصة، وفي هذا السياق، فإن المطارات الثلاثة، القليعات، حامات ورياق، مرخّصة للاستخدام العسكري، فيما مطارا بعذران والخيام غير مرخّصين”.
رخصة للرهبانية المارونية
وفي هذا الإطار، لا بد من الإشارة إلى واقعة تاريخية مهمة. وبالعودة إلى العام 1976، وتزامناً مع بناء جنبلاط مطاراً في بعذران، طلبت الرهبانية المارونية اللبنانية رخصةً لبناء مطارها في الشمال، من رئيس الجمهورية سليمان فرنجية آنذاك، وذلك لأن وصول أهالي المنطقة الشرقية إلى بيروت ومطارها كان مستحيلاً بسبب الحرب.
وفي ذلك الحين، تم منح الرخصة للرهبانية، وتقرر بناء المطار في منطقة معاد في جبيل، لكن أحد المقرّبين من بشير الجميّل تدخّل في ذلك الحين، وتقرّر بناء المطار في منطقة حامات، قرب شكّا، وهو الذي تحوّل إلى مطار حامات العسكري بعد انتهاء الحرب الأهلية.
مطار حماة.

في الشق السياسي، فإن ثمّة نقطتين يجب التنبّه لهما، الأولى تتحدّث عن خطر التقسيم، فيما الثانية عن الإنماء المتوازن. ففتح مطارات في مناطق مختلفة، أو تحويل المطارات العسكرية الحالية إلى مدنية، يعزّز من اللامركزية الخدماتية، ويمنح المنطقة نوعاً من الاستقلالية لها ولسكّانها، ويعارض قيامه من ينادي بالمركزية المركزة كـ”حزب الله”، لأنّ إنشاء مطار مرادف لمطار بيروت في منطقة لا تخضع لنفوذ الحزب سيعني خروجه عن محميته الحزبية والسلطوية.

أما بالنسبة للإنماء المتوازن، فإن في ذلك نقطة مهمة، من شأن إغفالها تعزيز شعور فئات من المجتمع اللبناني بالتهميش والانعزال. إن المطارات الثلاثة، أي القليعات، حامات ورياق، موّزعة بين الشمال، جبل لبنان والبقاع، وتطوير واحد منها دون آخر سيعني تعزيز مكانة منطقة على حساب أخرى، بينما المطلوب العمل على المشروع اللامركزي بعدالة ومساواة، ولو ضمن برنامج زمني.

المشروع على نار حامية… الكلفة قليلة ولكن؟
رئيس لجنة الأشغال النيابية النائب #سجيع عطية، يكشف في حديث لـ”النهار” أنّه يولي أهمية قصوى لملف تحويل مطار القليعات من عسكري إلى مدني، والموضوع على نار حامية، لكنّه في الوقت نفسه لا يُمكن البدء بالمشروع قبل انتخاب رئيسٍ جديد للجمهورية، وتأليف حكومة جديدة، بالإضافة إلى تشكيل هيئة ناظمة لإدارة الملف.

ويلفت إلى أن كلفة التشغيل لا تتعدّى الـ65 مليون دولارٍ، والدولة قادرة على توفير هذا المبلغ، فيتحوّل المكان إلى مطار صغير يُستخدم لشحن البضائع، وللسفرات الاستثنائية في المناسبات، كالحج على سبيل المثال، وليس إلى مطار يُنافس مطار بيروت لجهة دوره وقدراته الاستيعابية.

أما بالنسبة للعوائق السياسية، فيُشير عطية إلى أن “توافقاً سياسياً مطلوباً بين مختلف الأطراف لتشغيل هذا المطار وتشكيل الهيئة الناظمة لإدارته، وهذا الأمر مفقود في ظل الانقسام السياسي الحاصل، علماً أن جميع الأطراف السياسية التي التقيتها أبدت حماستها للتشغيل، كما أن المشكلة الثانية فتتمحور حول الشراكة مع القطاع الخاص، وما إذا كانت القوى السياسية ستتوافق على ذلك، مع ضرورة الإشارة إلى أن شركات عدّة عرضت تشغيل هذا المطار”.

وبالنسبة لموقف “حزب الله” من هذا الملف، فيكشف عطية أنّه طرح الملف معه، “والحزب أبدى موافقته، ولا مشكلة لديه لاستثمار المطار لعمليات شحن وتجارة، والعرقلة التي حصلت سابقاً في العام 2012 كان مصدرّها السوريون الذين عارضوا في السابق، لكنهم يوافقون في الوقت الحالي لأنهم يحتاجون إلى مطار قريب إليهم في عملية إعادة الإعمار التي ستحل في سوريا مستقبلاً”.

وفي ختام حديثه، يُشدّد عطية على أهمية تشغيل هذا المطار نسبةً لمنافعه الاقتصادية في الوقت الحالي وفي المستقبل حينما يعود لبنان مقصداً للسياّح من كافة الدول، كما ودوره في عملية إعادة الإعمار في سوريا، وينفي أن يكون باباً للتقسيم أو المشاريع الفيدرالية، بل على العكس فهو خطة تجاه الإنماء المتوازن”.

هل يكون المطار خطوة نحو التقسيم؟
في سياق متصل، المحامي والخبير السياسي، #كريم بقرادوني، يؤكّد عبر “النهار” أهمية تأهيل المطارات المنتشرة في المناطق وتحويلها إلى أخرى مدنية، مشيراً إلى الفوائد الاقتصادية التي تدرّها هذه المشاريع على تلك المناطق، كما وعلى الخزينة اللبنانية. ويلفت إلى أن من شأنها تشغيل يد عاملة محلية لا يمكنها الوصول إلى بيروت بسبب بُعد المسافة وارتفاع الكلفة، كما ينمّي حركة السياحة، النقل والاستيراد والتصدير.

أما وعن خطر التقسيم الذي قد ينجم عن هذه المشاريع، لا يرى بقرادوني في هذه المشاريع خطوات تقسيمية أو فدرالية، ويقول: “هذه المشاريع قد تعزّز التوجه التقسيمي في فترات الحرب، لكن في فترات السلم لا تشكّل أي خطر على وحدة الكيان، لا بل على العكس، تساهم في النمو الاقتصادي، خصوصاً في ظل الانهيار الحاصل وحاجة لبنان إلى مدخول أجنبي”.

وإذ يُذكّر بقرادوني بمطار حالات الذي تم تشييده في فترة الحرب، يُشير إلى أن هذه المطارات العسكرية لا طاقة لها لأن تكون بحجم مطار بيروت، ولا قدرة مالية لتحويلها إلى ذلك، لكنها قد تكون مطارات صغيرة للسفريات القريبة، بين لبنان وقبرص أو الدول العربية مثلاً، والتي لا تحتاج إلى كميات كبيرة من الفيول، معتبراً أن لبنان يستوعب مطارين أو ثلاثة.

يُجمع المراقبون على أنه من غير المتوقع أن يقبل “حزب الله” بواقع وجود مطارٍ آخر في لبنان، في منطقة لا تخضع لسلطته، وغير قادر على السيطرة عليه بشكل كامل، خصوصاً وأن جهات حزبية أخرى قد يكون لها اليد الطولى فيه وفقاً لموقعه، خشيةً من استغلاله في مآرب لا تخدمه، لا بل تؤذيه.

في هذا السياق، يلفت بقرادوني إلى أن الملف الأمني يُبحث مع “حزب الله”، خصوصاً إذا ما كان المطار في البقاع أو الجنوب، لكن وبشكل عام، فإن المطارات تستدعي إجراءات استثنائية لجهة الأمن، ومن المفترض ان تكون الرقابة مشدّدة، حتى لا يتم استغلال الثغرات لأعمال مشبوهة.

بعيداً عن الهواجس والحسابات الحزبية الضيقة، فإن تشغيل مطار رينيه معوّض على اعتبار أنه مجهز مقارنة بغيره ليكون مرفقاً رسمياً مهماً للسفر من خلاله، أمر بات مطلوباً، أولاً لإحياء الإنماء السياحي الوطني، وثانياً لإحياء الإنماء المناطقي، وثالثاً، ليكون مرفقاً حراً خاضعاً بكل أجهزته الإدارية والأمنية للدولة اللبنانية.