خاص – المهمة الفرنسية انتهت: واشنطن والرياض لا تريدان المساعدة
يؤشر البيان الصادر عن الاجتماع الأخير للدول الخمس، معطوفاً على كلمة السفيرة الفرنسية في بيروت آن غريو، إلى أن المهمة الفرنسية في لبنان والمناطة بمبعوث الرئيس الفرنسي وزير الخارجية السابق جان إيف لودريان قد انتهت عملياً، على الأقل من ناحية إعلان عدم القدرة على الوصول إلى مخرج لأزمة انتخاب رئيس للجمهورية.
فقد أصبحت الصورة أمام لودريان واضحة بعد زيارته الأخيرة للبنان. وعرف أن لا امكان للوصول الى اتفاق بين الأفرقاء اللبنانيين، كما لا إمكان للتوافق بين الدول الخمس، أي واشنطن والرياض وباريس والدوحة والقاهرة، على رؤية واحدة لانتخاب رئيس في لبنان. وعليه، كان اجتماع الدوحة الأخير بمثابة رفع عتب. وجاء البيان المطوَّل الصادر عنه وما تضمّنه ليؤكد هذا التوجه.
تقول مصادر مطلعة في العاصمة الفرنسية إن لودريان اعتقد أنه يمكنه الاتكال على مساعدة السعوديين والأميركيين من أجل حل أزمة الرئاسة اللبنانية، ولكنه اكتشف أن مهمته هذه تقف أمام حائط مسدود.
وحاول الموفد الرئاسي الفرنسي خلال لقاءاته مع المسؤولين السعوديين، وتحديدا أثناء الزيارة التي قام بها للسعودية الأسبوع الماضي، حيث التقى وزير الخارجية فيصل بن فرحان، اقناع الرياض بالضغط أكثر في الملف اللبناني. فكان الجواب هو إياه: الرياض تقف على الحياد، ولا تتدخل في لعبة الأسماء. و”الحياد” الذي دأبت السعودية على التشديد عليه، خصوصا منذ الاتفاق السعودي الايراني الاخير، يعني عملياً أنه لا يمكنها المساعدة في الملف اللبناني ضمن المعطيات الحالية. فلا امكان لديها للضغط على ايران وحزب الله، كما أن اهتماماتها الآن اصبحت في مكان آخر. فهي باشرت عصر التهدئة مع طهران، ولا يُعرف حتى الآن ما اذا كان الاتفاق الايراني السعودي قد شمل لبنان أصلا. وتركيز المملكة هوتطوير قدرات البلاد والاستعداد للتخلي عن الاعتماد الكامل على النفط في الموضوع الاقتصادي وفتح الباب أمام الاستثمارات الأخرى.
أما على الخط الأميركي، فالصورة مشابهة. فقد كان الموقف إزاء المبادرة الفرنسية باهتاً، وأحيانا غير مفهوم. ولكن وصل الى لودريان بما لا يقبل الشكّ أن الملف اللبناني ليس أولوية لدى واشنطن التي تطالب بـ “رئيس غير فاسد يطبّق الاصلاحات”.
وظهرت كل هذه الأجواء في بيان اجتماع الدول الخمس في قطر، والذي حضّ أعضاء البرلمان اللبناني على تحمّل مسؤولياتهم وانتخاب رئيس يجسّد النزاهة ويوحّد الأمة، وتطرق في شكل لافت الى القرارات الدولية الخاصة بلبنان.
وتزامن اجتماع الدوحة مع الكلمة المثيرة للجدل التي ألقتها السفيرة الفرنسية في بيروت لمناسبة العيد الوطني الفرنسي. ووصفت مصادر متابعة في باريس الخطاب العالي اللهجة للسفيرة غريو بأنه يمهد للقول إن مبادرة فرنسا في لبنان قد انتهت.
وسواء عاد لودريان الى لبنان في زيارة جديدة أو لم يعد، فإن المبادرة الرئاسية الفرنسية استُنفدت، واصطدمت بالفشل، منذ زيارة الرئيس ايمانويل ماكرون لبيروت إثر انفجار المرفأ المريع وحتى اليوم.
في أي حال، فقد عيّن الرئيس الفرنسي الوزير لودريان رئيسا للوكالة الفرنسية لتطوير العُلا السعودية، وهي مشروع ضمن رؤية المملكة 2030، ليحلّ مكان رئيسها الحالي. وكانت فرنسا والسعودية وقّعتا في العام 2018 اتفاقية تعاون لتطوير منطقة العُلا وتوظيف مزاياها التراثية والتاريخية في التنمية.
هل من مبادرة جديدة تحل مكان مبادرة لودريان؟ وهل نفض الخارج يده من لبنان؟
ليست المسألة في وجود مبادرات أم لا، بل في تهيئة الظروف الخارجية والداخلية للحل الذي ما زال يبدو بعيدا وبعيدا جدا.