السّلاح المهزوم أكثر خطراً من السّلاح المنتصر

السّلاح المهزوم أكثر خطراً من السّلاح المنتصر

الكاتب: فاروق يوسف | المصدر: اساس ميديا
7 أيلول 2025

كلّ الذين استهدفتهم إسرائيل بحربها، خرجوا منتصرين. علينا أن نصدّق ذلك. ليس المطلوب أن نحتكم إلى المعايير العقليّة والنتائج الواقعيّة حين نثق بذلك الانتصار.

هناك رغبة غير واعية في أن ننتصر على إسرائيل حتّى لو كانت حصيلة حروبنا لا تشجّع على تأكيد ذلك الانتصار أو الثقة به واقعيّاً. ليس مهمّاً أن تُهزم إسرائيل. المهمّ ألّا نكون مهزومين.

تلك معادلة لا تستقيم. إن رفضتها فستُحسب مصطفّاً مع العدوّ، وأمّا إن قبلت بها فستكون معتوهاً تردّد كلاماً صار جزءاً من تقليد رثّ، سبقته أناشيد فاشلة خيّبت الآمال الكبيرة من مثل “وطني حبيبي وطني الأكبر”. ولأنّ الأناشيد مثل الأفكار لا تخون فقد صار لزاماً علينا أن نبحث عن الخطأ.

الخطأ ليس إنساناً لكي نقتله. سيُقال دائماً إنّ العناية الإلهيّة تقضي بانتصارنا. مَن نحن؟ تلك قضيّة ما دمنا نختلف عليها فإنّ انتصارنا سيظلّ معلّقاً. حقّنا في الانتصار سيظّل مؤجّلاً. ذلك ما لا يمكن القبول به.

كنّا دائماً مصيريّين لأنّ قضيّتنا مصيريّة. القضيّة هي حبل مصيرنا. نحن موجودون من أجل القضيّة. لا وجود لنا إن اختفت. لو اعترفنا بهزيمتنا فإنّ ذلك يعني أنّ قضيّتنا كانت فاشلة. هل علينا أن نصدّق ذلك؟

لقد حلّت الخرافة محلّ الواقع. ليس ما يهمّ ما يراه الآخرون. ما يهمّ ما نراه نحن. لم تكن المقاومة قادرة على الدفاع عن نفسها. لقد ذهب كلّ شيء هباء. في تلك اللحظة صعب علينا أن نكون منتصرين.

الوهم سيّد الواقع

ما الغاية من أن نكون منتصرين في اللحظة التي تؤكّد كلّ الوقائع أنّ الهزيمة هي استثمارنا الوحيد؟

هناك مَن ينظر إلى الواقعيّة السياسية باعتبارها خيانة للمبادئ وللأهداف العظمى التي سبق أن رُسمت لمسيرتنا قبل أن نولد.

حتّى سقوط الأنظمة القوميّة في السنوات العشرين الأخيرة لم يتحوّل إلى درس ننفتح من خلاله على حقائق العصر، وفي مقدَّمها موقعنا من العالم مقارنة بالأمم الأخرى.

لن يكون الاعتراف بالهزيمة نافعاً إلّا إذا جاء مصحوباً برغبة المراجعة وإلّا فسيكون جلداً للذات يتكرّر في ذاكرة خاوية، كما هو حال المسيرات الجنائزيّة التي تحييها جماعات مذهبيّة لكي تؤكّد من خلالها تماسكها في مواجهة الآخرين. وهو ما لا يؤدّي غرضه في كلّ الأحوال.

هناك الكثير من السوقيّة المتعصّبة في الإصرار على رفض الواقع بسبب الخوف من استبداله. فالمنتصرون الوهميّون هم سادة الواقع وإن اعترفوا بتفاهة وهشاشة وانهيار الواقع الذي صنعوه سيتوجّب عليهم استبداله بواقع آخر قد لا يكونون سادته.

لا علاقة للأمر إذاً بكلّ الشعارات المرفوعة. فالأمر كلّه يتمحور حول السلطة التي لا يزال السلاح المهزوم جاهزاً للدفاع عنها.

الهزيمة التي لم يعترف بها أحد

عام 2014 مُني الجيش العراقي بهزيمة لم يحدث لها مثيل في التاريخ. قبل أن يدخل المعركة وقبل أن يكون هناك عدوّ حقيقي يقف في مواجهته انسحب ذلك الجيش تاركاً أسلحته الأميركية الحديثة في مخازنها التي استولى عليها تنظيم “داعش” الذي دخل مئات من أفراده الأراضي العراقية عبر الحدود السوريّة بسيارات مدنيّة.

ما كان صادماً أنّ حكومة بغداد لم تُحرَج ولم يعلن رئيسها الذي فرّ إلى إيران مسؤوليّته عمّا حدث باعتباره القائد العامّ للقوّات المسلّحة. بعد عشر سنوات من ذلك الحدث المشؤوم الذي ألحق دماراً هائلاً بالموصل ومدن الغرب العراقيّ يعلن رئيس الحكومة نفسه أنّ ما جرى كان مؤامرة تواطأ على تنفيذها الأكراد والسنّة.

كانت هناك مؤامرة. أمّا الهزيمة فلا أحد يمرّ بها أو يتذكّرها. الحديث عن مؤامرة هو حديث سياسة يسهل تداوله. أمّا الحديث عن هزيمة فهو حديث يُراد منه إضعاف المعنويّات التي يتوهّم البعض أنّها لا تزال في حاجة إلى مقوّيات لكي تستعيد عافيتها. وينكر ذلك البعض أنّ تحرير الموصل ما كان له أن يحدث لولا الجهد العسكري الأميركي الذي حسم المعركة من الجوّ بعدما دمّر الجزء الأكبر من المدينة التاريخيّة.

ماذا عن السّلاح المهزوم؟

أقرأ دائماً جملة تتكرّر: “على الرغم من كلّ ما فعلته إسرائيل في حرب الإبادة بغزّة فشلت في تحقيق أهدافها”، وفي المقابل ليس من كشفٍ للأهداف التي فشلت إسرائيل في تحقيقها. حتّى بعدما تمّ إعلان غزّة منطقة مجاعة من قبل الأمم المتّحدة لم تحقّق إسرائيل أهدافها. أتكمن تلك الأهداف في محو غزّة من الخريطة وإزالتها من على سطح الكرة الأرضيّة؟

إنّ الحديث عن تلك الأهداف يُراد منه التضليل وليس فيه أيّ شيء من الحقيقة. لقد دُمّرت غزّة وسُلّم أهلها للمجاعة والضياع والتشرّد. أمّا السلاح الذي تكفّل بحمايتها فلم يُهزم على الرغم من أنّه لم يقُم بالمهمّة الموكلة إليه. أسوأ ما في الأمر أن يُطلب من أهل غزّة أن يلوّحوا بشارات النصر من أجل أن يبدو ذلك السلاح الذي خذلهم منتصراً. ذلك ما يؤكّد أنّ السلاح المهزوم أكثر خطورة من السلاح المنتصر.