خيبة سياسية وأمنية: لا تسليم للسلاح الفلسطيني!

خيبة سياسية وأمنية: لا تسليم للسلاح الفلسطيني!

الكاتب: ندى أندراوس | المصدر: المدن
16 حزيران 2025
في لحظةٍ بدت وكأنها تُتوّج مسارًا طويلًا من التفاهمات السياسية والرهانات الأمنية، دخلت الدولة اللبنانية في السادس عشر من حزيران اختبارًا مفصليًا كان يفترض أن يشكّل نقطة تحوّل في مسار ضبط السلاح غير الشرعي داخل المخيمات الفلسطينية. يومٌ انتظرته السلطات اللبنانية كفاتحة لمرحلة جديدة، تعيد تثبيت هيبة الدولة على أراضيها، بدءًا من ملف السلاح الفلسطيني، الذي طالما اعتُبر أحد أبرز وجوه السيادة المنقوصة. غير أن المشهد سرعان ما انقلب رأسًا على عقب: لا تنفيذ، لا جدول زمني، ولا حتى تواصل مع الجهات اللبنانية، فيما تحوّلت الوعود التي أُطلقت من أعلى المستويات إلى سراب، وكشفت الوقائع الميدانية أن ما بنى عليه لبنان في هذا الملف لم يكن سوى أوهامٍ معلّقة على تفاهمات هشّة وخطاب سياسي فارغ من أي مضمون تنفيذي.

انقسامات فتأجيل فتعطيل؟
في الأساس، كانت الخطة تقضي بأن تنطلق المرحلة الأولى من نزع السلاح من ثلاثة مخيمات في بيروت، حيث الطابع الرمزي للسلاح يغلب على أي وظيفة عسكرية فعلية، ما يجعل التنفيذ أسهل تقنيًا وسياسيًا. غير أن الفصائل الفلسطينية، وبعد نقاشات مع الجانب اللبناني، دفعت باتجاه تعديل الخطة للبدء من مخيمات الجنوب، وتحديدًا الرشيدية، برج الشمالي، والبص في قضاء صور، جنوب نهر الليطاني. وقد رأت السلطات اللبنانية في هذا الاقتراح خطوة جيدة وإشارة واضحة لمزيد من الالتزام بالقرار الدولي 1701، على طريق جعل جنوب الليطاني خالياً من السلاح.

مصادر سياسية مطّلعة أوضحت لـ”المدن”، أن هذا التبديل الذي اعتبر أنه يحمل أبعادًا سيادية ورمزية، ورسالة موجهة إلى المجتمع الدولي، ما لبث أن تبيّن أن خلف هذه المناورة التقنية، كانت تكمن نوايا غير جدية من قبل الفصائل الفلسطينية، التي لم تُظهر في أي مرحلة استعدادًا حقيقيًا للشروع بالتنفيذ.
مع اقتراب الموعد المحدّد للتسليم، بدأت تظهر الانقسامات داخل الفصائل أكثر فأكثر، والتي تحولت الى إداة تعطيل للخطة. الخلافات لا تقتصر على الانقسام التقليدي بين الفصائل، بل توسعت إلى صراعات داخل البيت الواحد، لاسيما ضمن حركة فتح نفسها، بين مجموعات كـ”اللينو”، دحلان، والمقدح. إضافة الى تضارب الأجندات والولاءات الإقليمية.
أما الفصائل الإسلامية، وعلى رأسها حركة حماس، فقد التزمت الصمت حيال مخيمات صور ولاسيما مخيمي البص وبرج الشمالي، رغم امتلاكها سلاحًا فيها، إلا أنها تُبقي ثقلها العسكري الرئيسي في مخيم عين الحلوة، الذي يشكّل الملف الأصعب والأخطر. وقد جرى تأجيل بحث هذا المخيم إلى مرحلة لاحقة، في حال تم تنفيذ المرحلة الأولى، وانطلاقاً منها يتم تقييم مدى نجاح الخطة وسلاستها للبناء عليها في المراحل اللاحقة.

وعود عباس تتهاوى
الزيارة الأخيرة للرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى بيروت، وهي الأولى له منذ العام 2017، جاءت محمّلة بوعود كبرى. ففي قصر بعبدا، وفي بيان مشترك مع رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، أعلن عباس أن “زمن السلاح الخارج عن سلطة الدولة اللبنانية قد انتهى”.

غير أن ما أعقب تلك التصريحات، لم يُترجم بأي خطوات عملية. فلا لوائح سلاح سُلّمت، ولا جداول مواقع أُعدّت، ولا آلية مشتركة وُضعت، ولا حتى تنسيق حصل مع الجانب اللبناني عند حلول الموعد. وحسب معلومات موثوقة، فإن ممثلي الفصائل الذين كانوا أصحاب طرح بدء التسليم في 16 حزيران، والعودة للاجتماع إلى قادة الاجهزة الامنية اللبنانية لتنسيق الخطوات بعد عيد الاضحى، غابوا عن السمع مع اقتراب لحظة الحقيقة.
مصادر حكومية كشفت لـ”المدن” أن رئاستي الجمهورية والحكومة اعتبرتا ما حصل بمثابة طعنة مباشرة بالثقة السياسية، خصوصاً أن خطة التنفيذ كانت قد انطلقت باتصالات أمنية جدية ضمّت مخابرات الجيش والأمن العام، وحظيت بدعم من رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية.
في مواجهة هذا الانسداد، كُشف عن نية لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني عقد اجتماع تقييمي مطلع الأسبوع، لتحديد الموقف اللازم من الإخلال الفلسطيني بالاتفاق.
بالتوازي، كشفت مصادر مطلعة أن الملف سيكون حاضراً في جلسة مجلس الوزراء، وسط توجه لرفع مستوى الخطاب الرسمي، والتشديد على أن بقاء أي سلاح خارج الشرعية، فلسطينيًا كان أم غير ذلك، لم يعد مقبولًا على الإطلاق.
وفي هذا السياق، جاء الاتصال الذي أجراه عزام الأحمد، أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، بالسفير رامز دمشقية، رئيس لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني، ليزيد الأمور تعقيدًا. إذ أصدر الأحمد بيانًا زعم فيه أن الجانبين اتفقا على تأجيل تنفيذ خطة نزع سلاح المخيمات بسبب التطورات الإقليمية، وهو ما نفاه دمشقية جملة وتفصيلًا، مؤكدًا أن ما صدر لا يعكس حقيقة الاتصال، وأن لبنان لا يزال متمسكا بكامل ما ورد في البيان المشترك بين الرئيسين عون وعباس، خصوصًا لجهة حصرية السلاح بيد الدولة اللبنانية.

مراجعة شاملة
هكذا، ما كان يُفترض أن يكون خطوة أولى نحو تعزيز السيادة اللبنانية، انقلب إلى اختبار للصدقية الفلسطينية وإلى خيبة سياسية وأمنية. فهل تسرّع محمود عباس في إطلاق وعود لا يملك أدوات تنفيذها؟ أم أن الفصائل الفلسطينية قررت التريث بانتظار اتضاح اتجاهات المشهد الإقليمي أو غرقت في خلافاتها؟ أم أن من يمسك بورقة السلاح الفلسطيني في لبنان قرر الاحتفاظ بها إلى موعد لم يقرره بعد، ولغايات لم يحن أوان الكشف عنها؟

الأكيد أن الدولة اللبنانية باتت أمام لحظة مراجعة جدية: إما تُعيد ضبط إيقاع علاقتها بالقيادة الفلسطينية على أسس جديدة، أو تواصل دفع ثمن المراوحة والتهرب والازدواجية في القرار الفلسطيني. فمهلة الصبر الرسمية تضيق، والثقة تُستنزف، والأيام المقبلة ستكشف ما إذا كانت بيروت قد فتحت باب التسوية أم دخلت في نفق مواجهة جديدة من نوع مختلف.